تَكُونَ نُجُومُ الْكِتَابَةِ لِلسَّيِّدِ الْبَائِعِ، لِخُرُوجِهَا مِنَ الْبَيْعِ، وَإِنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ مَمْلُوكٌ، وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ، وَمَا أَفْضَى إِلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا، وَلِأَنَّ بَيْعَهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْتِقَ عَلَى مُشْتَرِيهِ، لِأَنَّ صِفَةَ عِتْقِهِ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَا عَلَى بَائِعِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَفِي ثُبُوتِ عِتْقِهِ بِالْأَدَاءِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهِ الْمُنَافِي لِحُكْمِهِ، وَلِأَنَّ عِتْقَهُ إِذَا نَفَذَ بَعْدَ بَيْعِهِ مُفْضٍ إِلَى سُقُوطِ الْوَلَاءِ لِمُسْتَحَقِّهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَائِعِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي، لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ سَبَبَ عِتْقِهِ، وَمَا أَفْضَى إِلَى هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلِأَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ عَلَى الرَّقَبَةِ، لِأَنَّهُ مُفْضٍ إِلَى الْعِتْقِ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ يُوجِبُ أَنْ يَسْتَقِرَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْمَبِيعِ فَتَنَافَى اجْتِمَاعُهَا، وَالْكِتَابَةُ لَا تَبْطُلُ بِالْبَيْعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ الْبَيْعُ بِالْكِتَابَةِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ، فَهُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ، فَصَارَ مُسَاوَمَةُ بَرِيرَةَ لِمَوَالِيهَا وَهُمْ آلُ الْمُغِيرَةِ، فِي ابْتِيَاعِ نَفْسِهَا فَسْخًا مِنْهَا، كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثُمَّ بَاعَ مَا بَاعَهُ كَانَ بَيْعُهُ الثَّانِي فَسْخًا لِلْبَيْعِ الْأَوَّلِ، كَذَلِكَ يَكُونُ مُسَاوَمَةُ بَرِيرَةَ فِي نَفْسِهَا وَابْتِيَاعَهَا فَسْخًا، وَبَيْعُهَا بَعْدَ فَسْخِ الْكِتَابَةِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ عَائِشَةَ بِعِتْقِهَا، وَلَوْ بَقِيَتِ الْكِتَابَةُ لَعُتِقَتْ بِهَا؟ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْمُكَاتَبَ فِي عَامَّةِ أَحْوَالِهِ كَالْعَبْدِ، فَلَيْسَ يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يُخَالِفُ الْعَبْدَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ، وَإِنْ وَافَقَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا.
وَأَمَّا الْمُعْتَقُ نِصْفُهُ فَمُخَالِفٌ لِلْمُكَاتَبِ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ وَأَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ، فَخَالَفَ الْمُكَاتَبَ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ المزني رضي الله عنه: (فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعائشة (اشترطي لهم الولاء؟) قلت انا لِلْشَّافِعِيِّ فِي هَذَا جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا يُبْطِلُ الشَّرْطَ وَيُجِيزُ الْعِتْقَ وَيَجْعَلُهُ خَاصًّا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هَذَا مِنْ أَشَدِّ مَا يُغْلَطُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ هِشَامٌ وَحْدَهُ وَغَيْرُهُ قَدْ خَالَفَهُ وَضَعَّفَهُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) هَذَا أَوْلَى بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُنْكِرُ عَلَى نَاسٍ شَرْطًا بَاطِلًا وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَى بَاطِلٍ وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ فِي اللَّهِ أَشَدُّ وَعَلَيْهِمْ أَغْلَظُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ أَنَّ لَكِ إِنِ اشْتَرَيْتِ وَأَعْتَقْتِ الْوَلَاءَ أَيْ لَا تَغُرِّيهِمْ وَاللُّغَةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ قال الله جل ثناؤه {لهم اللعنة} وقال {أن عليهم لعنة الله} وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وكيلا} وَقَالَ {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فلها} أَيْ فَعَلَيْهَا وَقَالَ {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كجهر بعضكم لبعض} فَقَامَتْ (لَهُمْ) مَقَامَ (عَلَيْهِمْ) فَتَفَهَّمْ رَحِمَكَ اللَّهُ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute