للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَأَنَّهُ يَعْجَبُ مِنْ قَوْلِهِ: " بِهَا أَمْشِي بِلَا هَادِي ". وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: طُفْتُ مَعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَذَكَرُوا حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ فِي الطَّوَافِ فَسَبُّوهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَا تَفْعَلُوا أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يَقُولُ:

(هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ ... وَعِنْدَ اللَّهِ فِي ذَاكَ الْجِزَاءُ)

(فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ محمدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ)

فَقِيلَ لَهَا: أَلَيْسَ هُوَ الَّذِي قَالَ مَا قَالَ فِي الْإِفْكِ فقالت عائشة: أَلَيْسَ قَدْ تَابَ ثُمَّ قَالَتْ عَائِشَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهَا: وَإِنِّي لِأَرْجُوَ لَهُ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَامِلًا أُمَّهُ عَلَى عُنُقِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

(أَحْمِلُهَا مَا حَمَلَتْنِي أَكْثَرُ ... إِنِّي لَهَا مَطِيَّةٌ لَا أَذْعَرُ)

وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بن عمر أترى أني جزيتها قَالَ: لَا وَاللَّهِ وَلَا بِزِقْوَةٍ وَاحِدَةٍ. إِلَّا أَنَّنَا نَسْتَحِبُّ تَرْكَ إِنْشَادِ الشِّعْرِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا وَالْكَلَامُ أَيْسَرُ مِنْهُ.

وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي أَوْفَى إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَرْتَجِزُ:

(يَا حَبَّذَا مَكَّةُ مِنْ وَادِي)

(أَرْضٌ بِهَا أَمْشِي بِلَا هَادِي)

فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قل الله أكبر الله أكبر ".

[فصل]

: فأما الأكل والشرب في الطواف بمكروه، وَالشُّرْبُ أَخَفُّ حَالًا، قَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَشْرَبُ مَاءً فِي الطَّوَافِ. وَيَكْرَهُ أَنْ يَبْصُقَ فِي الطَّوَافِ، أَوْ يَتَنَخَّمَ، أَوْ يَغْتَابَ، أَوْ يشتم، ولا يفسد طوافه شيء من ذلك، وإن أثم.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُجْزِئُ الطَّوَافُ إِلَّا بِمَا تُجْزِئُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنَ الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ وَغَسْلِ النَّجَسِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الطَّهَارَةُ فِي الطَّوَافِ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ طَهَارَةِ الْأَحْدَاثِ وَإِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ، فَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا، لَمْ يُجْزِهِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ أَبُو حنيفة: طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَسِ وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ طَافَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ نَجِسًا فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَ طَوَافَهُ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ أَجْزَأَ عَنْ فَرْضِهِ، وَلَزِمَهُ دَمٌ لِجُبْرَانِهِ، وَرُبَّمَا ارْتَابَ أَصْحَابُهُ أَنَّ الطِّهَارَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، لِيُسَوَّغَ لَهُمُ الِاسْتِدْلَالُ تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ) {الحج: ٢٩) وَاسْمُ الطَّوَافِ يَتَنَاوَلُهُ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا، فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَاوَلَ الِاسْمَ لَهُ مُحْرِمًا، وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ الطَّهَارَةُ مِنْ شَرْطِهِ، كَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَيْسَ تَرْكُ الكلام

<<  <  ج: ص:  >  >>