للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ بِحَفْرِهَا وَذَلِكَ أَنْ يَحْفِرَهَا فِي مِلْكِهِ أَوْ فِي صَحْرَاءَ وَاسِعَةٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْفِرَهَا لِأَجْلِ الصَّيْدِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ الصَّيْدِ، كَمَا لَوْ طَرَحَ شَبَكَةً أَوْ نَصَبَ حِبَالَةً.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَحْفِرَهَا لِلشُّرْبِ لَا لِلصَّيْدِ، فَفِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الصَّيْدِ كَانَ بِسَبَبٍ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لَهُ كَالْخَاطِئِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا جَزَاءَ، كَمَا لَوْ صَعِدَ صَيْدٌ إِلَى سَطْحِهِ وَتَرَدَّى إِلَى دَارِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا دَخَلَ إِلَى دَارِهِ وَتَرَدَّى فِي بِئْرِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ.

فَصْلٌ

: إِذَا كَانَ الْمُحْرِمُ رَاكِبًا فَأَتْلَفَ بركوبه صَيْدًا إِمَّا بِرِجْلِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ أَوْ بِذَنَبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ مَرْكُوبِهِ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ سَاقَ الْمُحْرِمُ مَرْكُوبَهُ أَوْ قَادَهُ فَأَتْلَفَ الْمَرْكُوبُ شَيْئًا ضِمْنَهُ السَّائِقُ أَوِ الْقَائِدُ، وَلَكِنْ لَوْ سَارَ الْمَرْكُوبُ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَاكِبٌ وَلَا مَعَهُ سَائِقٌ وَلَا لَهُ قَائِدٌ فَأَتْلَفَ صَيْدًا كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ إِذَا انْفَرَدَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ.

مسألة: (قال الشافعي) : رضي الله عنه: " وَمَنْ قَطَعَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ شَيْئًا جَزَاهُ مُحْرِمًا كَانَ أَوْ حَلَالًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كما قال، شجر الحرم ونباته محرم ولا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَلَا إِتْلَافُهُ لِحَلَالٍ وَلَا مُحْرِمٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهَذَا البَلَدُ الأَمِينُ) {التين: ٣) ، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البَلْدَةَ الّذِي حَرَّمَهَا) {النحل: ٩١) وَرَوَى طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: " إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ الله تعالى يوم خلق السموات والأرض، فهو حرامٌ إلى يوم القيامة، لم يَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نهارٍ، ثُمَّ هِيَ حرامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، ولا يعضد شوكه، ولا تلتقط لقطته إِلَّا لمعرفٍ، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ، قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ ولبيوتهم فقال: إلا الإذخر ولا هجرةً ولكن جهادٌ ونيةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا ".

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَجَمِيعُ مَا نَبَتَ فِي الْحَرَمِ ضَرْبَانِ: شَجَرٌ وَنَبَاتٌ: فَأَمَّا الشَّجَرُ فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>