للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَعُدْ بَعْدَ تَفْرِيقٍ وَقَدْ وَقَفَتْ ... شَمْسُ النَّهَارِ وَلَاذَ الظِّلُّ بِالْعُودِ)

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّوَالَ مُعْتَبَرٌ بِمَا وَصَفْنَا فَالنَّاسُ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَصِيرٌ قَادِرٌ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى عِلْمِ الزَّوَالِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى عِلْمِ الزَّوَالِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَسْتَوِي الْبُصَرَاءُ فِيهِ فَلَمْ يَسَعْ بَعْضَهُمْ تَقْلِيدُ بَعْضٍ، كَالْقِبْلَةِ فَإِنْ كَانَ غَيْمًا رَاعَى الشَّمْسَ مُحْتَاطًا فَإِنْ بَدَا لَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِهَا وَإِلَّا تَأَخَّى مُرُورَ الزَّمَانِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ ثُمَّ يُصَلِّيَ، فَلَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ لَمْ يَسَعْهُ تَقْلِيدُهُ حَتَّى يَعْلَمَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ عَدَدًا فِي جِهَاتٍ شَتَّى لَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمُ الْغَلَطُ وَالتَّوَاطُؤُ فَهَذَا مِمَّا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ فَيَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُمْ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ فِي الْوَقْتِ إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً قَالَ: لِأَنَّهُ فِي الصَّحْوِ يُخْبِرُ عَنْ نَظَرٍ، وَفِي الْغَيْمِ يُخْبِرُ عَنِ اجْتِهَادٍ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ، وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِمَا اسْتَشْهَدْنَا بِهِ مِنْ حَالِ الْقِبْلَةِ، فَلَوْ خَفِيَ عَلَيْهِ الزَّوَالُ فَاجْتَهَدَ وَصَلَّى ثُمَّ بَانَ لَهُ مُصَادَفَةُ الْوَقْتِ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ إما موديا فِي الْوَقْتِ، أَوْ قَاضِيًا بَعْدَ الْوَقْتِ وَإِنْ بَانَ لَهُ تَقَدُّمُهُ عَلَى الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ وَأَعَادَ.

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ مَنْ بَانَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ. فِي الْقِبْلَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَهَلَّا كَانَ الْخَاطِئُ فِي الْوَقْتِ مِثْلَهُ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي وَجْهَيْنِ:

أحدهما: أن الوصول إلى يقين الْوَقْتِ مُمْكِنٌ بِالصَّبْرِ إِلَى يَقِينِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَتَبَيُّنُ الْقِبْلَةِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالْمَصِيرِ إِلَيْهَا فَالْمَصِيرُ إِلَى نَفْسِ الْقِبْلَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَاطِئَ فِي الْوَقْتِ فَاعِلٌ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَلَمْ يُجْزِهِ، وَالْخَاطِئَ فِي الْقِبْلَةِ فَاعِلٌ لَهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا فَأَجْزَأَهُ وَلَوْ لَمْ يَبِنْ لَهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ صَوَابٌ وَلَا خَطَأٌ أَجْزَأَهُ، وَلَكِنْ لَوِ ابْتَدَأَ بِالصَّلَاةِ شَاكًّا فِي زَوَالِ الشَّمْسِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ بَانَ لَهُ بَعْدَ زَوَالِهَا، لِأَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ غَيْرُ مُجْزِئٍ.

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ لَوْ أَفْطَرَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ بَانَ لَهُ غُرُوبُهَا أَجْزَأَهُ فَهَلَّا كَانَ إِذَا صَلَّى شَاكًّا فِي زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ بَانَ لَهُ زَوَالُهَا أَجْزَأَهُ؟ .

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الصَّائِمَ يَكُونُ مُفْطِرًا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَا يَكُونُ مُصَلِّيًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ حَتَّى يُصَلِّيَ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ضَرِيرًا، أَوْ مَحْبُوسًا لَا يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ بِنَفْسِهِ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ غَيْرَهُ مِنَ الْبُصَرَاءِ الثِّقَاتِ وَاحْتَرَزَ مَعَ قَوْلِهِ: دُخُولُ الْوَقْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>