يَقْدِرْ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ لِغَيْبَتِهِ عَنْهُ، فَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي حُكْمِ الْمُوسِرِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الصِّيَامُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى مَالِهِ فَيُكَفِّرَ بِالْمَالِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ فِي حُكْمِ الْمُعْسِرِينَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالصِّيَامِ، لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ لِحَاجَتِهِ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الْفَقْرِ مِنْ كَفَّارَتِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْحَاجَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَكَانِهِ، وَالْكَفَّارَةَ مُعْتَبَرَةٌ بِإِمْكَانِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيِسَ الْمُتَمَتِّعُ فِي الْحَجِّ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا فِي مَكَّةَ مُوسِرًا فِي بَلَدِهِ كَفَّرَ بِالصِّيَامِ كَالْمُعْسِرِ، فَهَلَّا كَانَ كَذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَكَانَ الدَّمِ فِي التَّمَتُّعِ مُسْتَحَقٌّ بِمَكَّةَ، فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ أَوْ إِعْسَارُهُ بِهَا وَمَكَانُ الْإِطْعَامِ فِي غَيْرِهِ مُطْلَقٌ فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ وَإِعْسَارُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَالثَّانِي: إِنَّ الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ التَّمَتُّعِ مُعَيَّنٌ لِلزَّمَانِ فِي صَوْمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ فَكَانَ فِي تَأْخِيرِهِ فَوَاتُ بَدَلِهِ، وَلَيْسَ لِصِيَامِ الْيَمِينِ زَمَانٌ مُعَيَّنٌ يَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ فَافْتَرَقَا.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا لَمْ يَخْلُ حَالُهُ فِي كَمَالِ فُرُوضِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا يَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ إِلَى حَالِ الْكَمَالِ، وَذَلِكَ مِثْلُ صَلَاةِ الْعُرْيَانِ وَالْمُتَيَمِّمِ وَكَفَّارَةِ الْمُتَمَتِّعِ، فَفَرْضُهُ تَعْجِيلُ أَدَائِهِ عَلَى غِنًى.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ بِالتَّأْخِيرِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَفَرْضُهُ إِذَا قَدِرَ عَلَى الْكَمَالِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ إِلَى حَالِ الْإِمْكَانِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَا يَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ لَكِنْ يَلْحَقُهُ بِالتَّأْخِيرِ ضرر مثل كفارة الظهار يلحقه بتأخيرها ضرب فِي امْتِنَاعِهِ مِنَ الْجِمَاعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجِبُ تَأْخِيرُهَا بِالْيَسَارِ فِي بَلَدِهِ حَتَّى يَعْتِقَ لِأَنَّهُ غنيُّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُعَجِّلَ التكفير بالصيام؛ لأنه مستنصر، وَهَكَذَا حُكْمُهُ لَوْ كَانَ ضَالًّا أَوْ مَغْصُوبًا لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى مَالِهِ فَيُكَفِّرَ بِهِ، فَإِنْ تَلَفَ مَالُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى التَّكْفِيرِ لَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ بِأَنْ يُكَاتِبَ أَوْ يُرَاسِلَ إِلَى بَلَدِ الْمَالِ بِالتَّكْفِيرِ عَنْهُ، فَلَا يَفْعَلُ حَتَّى يَتْلَفَ الْمَالُ فَهَذَا فِي حُكْمِ مَنْ كَانَ مُوسِرًا عِنْدَ الْوُجُوبِ مُعْسِرًا عِنْدَ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ فِي تَكْفِيرِهِ بِالصِّيَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يُكَفِّرَ بِهِ إِذَا اعْتُبِرَ بِهَا حال الأداء.