الْوَاقِفِ، فَكَانَ حُكْمُ كُلِّ بَطْنٍ فِيهِ كَحُكْمِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لَا يَسْقُطُ بِأَيْمَانِ بَعْضِهِمْ أَيْمَانُ غَيْرِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ اعْتَرَفَ لَهُ شُرَكَاؤُهُ بِحَقِّهِ فِيهِ، فَلَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهِ مَعَ اعْتِرَافِ مُسْتَحِقِّيهِ كَمَا لَوِ اعْتَرَفَ ثَلَاثَةُ شُرَكَاءَ فِي دَارٍ بِرَابِعٍ أَنَّهُ شَرِيكُهُمْ فِيهَا اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ فِيهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ قِيلَ: قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا مَعَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ، عَلَى أَنَّ نَصِيبَ الْحَادِثِ مَوْقُوفٌ عَلَى يَمِينِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْجَوَابَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ كَانَ نَصِيبَهُ عَلَى شُرَكَائِهِ، فَلِذَلِكَ حَلَفَ الْحَادِثُ إِنْ صَدَّقَهُ الشُّرَكَاءُ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ أَهْلِهِ بِقَبُولِهِ، وَقَبُولُهُ يَكُونُ بِيَمِينِهِ، لِأَنَّ سَهْمَهُ إِذَا لَمْ يُقْبَلْ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ الْوَاقِفُ هَذَا اسْتَحَقَّ الْحَادِثُ سَهْمَهُ بِاعْتِرَافِ شُرَكَائِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ كَالدَّارِ الْمَمْلُوكَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ الثَّلَاثَةِ إِذَا اعْتَرَفُوا بِشَرِيكٍ رَابِعٍ فِيهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ أَيْضًا إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى إِطْلَاقِ الْوَقْفِ إِذَا قِيلَ: إِنَّ سَهْمَ مَنْ لَمْ يُقْبَلْ أَوْ مَاتَ بَعْدَ قَبُولِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ رَاجِعٌ عَلَى الشُّرَكَاءِ، فَيُسْتَحْلَفُ الْحَادِثُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الشُّهَدَاءِ إِنْ لَمْ يَحْلِفْ.
فَأَمَّا إِذَا قِيلَ: إِنَّ سَهْمَهُ رَاجِعٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَمْ يُسْتَحْلَفِ الْحَادِثُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الشُّرَكَاءِ إِنْ لَمْ يَحْلِفْ، لِأَنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي مَذْهَبِهِ فِي الْوَقْفِ إِذَا لَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدُ أَرْبَابِهِ، هَلْ يَكُونُ نَصِيبُهُ مَعَ إِطْلَاقِ شَرْطِ الْوَقْفِ عَائِدًا عَلَى شُرَكَائِهِ أَوْ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ: إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَمْوَالِ كُلِّهَا فِي أَنَّ الْحَادِثَ لَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ، وَإِنِ اعْتَرَفَ لَهُ الشُّرَكَاءُ إِلَّا بِيَمِينِهِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْوَقْفِ، وَبَيْنَ الدَّارِ الْمَمْلُوكَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ بِفَرْقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمْ فِي الْوَقْفِ مُقِرُّونَ عَلَى الْوَاقِفِ، وَفِي غَيْرِ الْوَقْفِ مُقِرُّونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
وَالْفَرْقُ الثَّانِي: إِنَّ فِي الْوَقْفِ حَقًّا لِلْبَطْنِ الثَّانِي، فَلَمْ يَنْفُذْ إِقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِي الْمِلْكِ حَقٌّ لِغَيْرِهِمْ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا كَانَ سَهْمُ الرَّابِعِ وَهُوَ الرُّبْعُ مَوْقُوفًا عَلَى يَمِينِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَلَوْ حَدَثَ خَامِسٌ وُقِفَ لَهُ خُمْسُ الْوَقْفِ عَلَى يَمِينِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ، فَإِنْ بَلَغَ الْحَادِثَانِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُمَا بَعْدَ بُلُوغِهِمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
إِمَّا أَنْ يَحْلِفَا أَوْ يَنْكُلَا أَوْ يَحْلِفَ أَحَدُهُمَا، وَيَنْكُلَ الْآخَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute