[(مسألة)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَكُلُّ جِنَايَةِ عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهَا فَالْأَرْشُ فِي مَالِ الْجَانِي ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا جِنَايَةُ الْخَطَأِ الْمَحْضِ وَعَمْدِ الْخَطَأِ فَتَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ، وَأَمَّا جِنَايَةُ الْعَمْدِ الْمَحْضِ فَفِي مَالِ الْجَانِي، وَلَا تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ، سَوَاءٌ وَجَبَ فِيهَا الْقِصَاصُ أَوْ لَمْ يَجِبْ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنَ الْعَمْدِ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالْخَطَأِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا " وَلِأَنَّ مَا لَمْ تَتَحَمَّلْهُ الْعَاقِلَةُ مِنَ الْعَمْدِ إِذَا وَجَبَ فِيهِ الْقَوَدُ لَمْ تَتَحَمَّلْهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقَوَدُ كَجِنَايَةِ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ، وَلِأَنَّ جِنَايَةَ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ وَتَحَمُّلُ الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفٌ فتنافا اجْتِمَاعُهُمَا، وَلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْعَاقِلَةِ رِفْقٌ وَمَعُونَةٌ، وَالْعَامِدُ مُعَاقَبٌ لَا يُعَانُ وَلَا يُرْفَقُ بِهِ، وَالْخَاطِئُ مَعْذُورٌ، فَلِذَلِكَ خُصَّ بِالْمَعُونَةِ وَالرِّفْقِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " وَقِيلَ جِنَايَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ عَمْدًا وَخَطَأً يَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى أَنْ تَحْمِلَ الْعَاقِلَةُ الْخَطَأَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فَلَوْ قَضَيْنَا بِهَا إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ خَالَفْنَا دِيَةَ الْعَمْدِ لِأَنَّهَا حَالَّةٌ فَلَمْ يُقْضَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِدِيَةِ عَمْدٍ بِحَالٍ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فلا قود عليهما فيه لعدم تَكْلِيفِهِمَا، وَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْخَطَأِ، وَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَنْتَبِهَ " وَلِأَنَّ كُلَّ مَا سَقَطَ فِيهِ الْقَوَدُ بِكُلِّ حَالٍ كَانَ فِي حُكْمِ الْخَطَأِ كَالْخَطَأِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْعَمْدِ وَإِنْ سَقَطَ فِيهِ الْقَوَدُ، لِأَنَّ صِفَةَ الْعَمْدِ مُتَمَيِّزَةٌ فَكَانَ حُكْمُهَا مُتَمَيِّزًا، وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ وَقَعَ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ عَمْدِهِ وَنِسْيَانِهِ إِذَا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَأَكَلَ فِي الصِّيَامِ وَتَطَيَّبَ فِي الْحَجِّ، فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَمْدِهِ وَخَطَئِهِ فِي الْقَتْلِ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ عَمْدِهِ وَخَطَئِهِ فِي الْعِبَادَاتِ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْجِنَايَاتِ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا صَحَّ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا إنَّ عَمْدَهُ كَالْخَطَأِ، فَالدِّيَةُ مُخَفَّفَةٌ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ إِلَّا مُؤَجَّلًا، وَإِذَا قِيلَ بِالثَّانِي إنَّ عَمْدَهُ عَمْدٌ وَإِنْ سَقَطَ فِيهِ الْقَوَدُ، فَالدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ حَالَّةٌ تَجِبُ فِي مَالِهِ دون عاقلته،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute