للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَمْتَنِعَ الزَّوْجَانِ مِنَ الرضى بِالْحَكَمَيْنِ مَعَ مُقَامِهِمَا عَلَى الشِّقَاقِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ التَّحْكِيمَ حَكَمٌ، لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ امْتِنَاعُ الزَّوْجَيْنِ وَأَمْضَى الْحَاكِمُ رَأْيَهُ عَنِ اخْتِيَارِ الْحَكَمَيْنِ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ وَكَالَةٌ، لَمْ يَصِحَّ مَعَ امْتِنَاعِ الزَّوْجَيْنِ وَلَا يَجُوزُ إِجْبَارُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَصِحُّ مَعَ الْإِجْبَارِ، وَكَذَلِكَ لَوِ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا كَانَ كَامْتِنَاعِهِمَا، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التحكيم على هذا القول إلا عن رضى الزَّوْجَيْنِ فَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَنْظُرَ بَيْنَهُمَا وَيَسْتَوْفِيَ الْحَقَّ لِمَنْ وَجَبَ لَهُ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُوقِعُ بَيْنَهُمَا طَلَاقًا وَلَا خُلْعًا، لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَنْدُوبٌ إِلَى اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ أَحَدِهِمَا عُدْوَانًا عَلَى صَاحِبِهِ مَنَعَهُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يمتنع أدبه عليه.

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوِ اسْتَكْرَهَهَا عَلَى شيءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا عَلَى أَنْ طَلَّقَهَا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً رَدَّ مَا أَخَذَهُ وَلَزِمَهُ مَا طَلَّقَ وَكَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنَ الْخُلْعِ، وَكَثِيرًا مَا يَخْتِمُ الْمُزَنِيُّ بِمَسْأَلَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ أَكْرَهَ زَوْجَتَهُ عَلَى الْخُلْعِ بِضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ أَحَدِ أَنْوَاعِ الْإِكْرَاهِ حَتَّى بَذَلَتْ لَهُ مَالًا عَلَى طَلَاقِهَا فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ عُقُودَ الْمُعَارَضَاتِ لَا تَصِحُّ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَعَلَيْهِ رَدُّ الْمَالِ عَلَيْهَا وَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ إِنْ كَانَ الطَّلَاقُ دُونَ الثَّلَاثِ، لِأَنَّ الْبَذْلَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، فَإِنِ ادَعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَالَعَهَا مُكْرَهًا فَذَكَرَ أَنَّهُ خَالَعَهَا مُخْتَارَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَ الْبَذْلِ وَهُوَ يَدَّعِيهِ وَطَلَاقُهُ قَدْ وَقَعَ بَائِنًا وَلَا رَجْعَةَ لَهُ مُقِرٌّ بِطَلَاقٍ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هذه المسألة والتي تقدمها فِي الرَّجْعَةِ أَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُقِرٌّ بِفَسَادِ الْخُلْعِ فَثَبَتَ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُقِرٌّ بِصِحَّةِ الْخُلْعِ فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ الرَّجْعَةُ فَلَوِ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَالَعَهَا مُكْرَهًا لَهَا فَأَنْكَرَهَا الْخُلْعَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْكِرٌ لِلطَّلَاقِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ، وَفِي الَّتِي تقدمها مقر بالطلاق فلزمه، وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>