[(باب الطلاق بالحساب والاستثناء من الجامع من كتابين)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ فَإِنْ نَوَى مَقْرُونَةً بِاثْنَتَيْنِ فَهِيَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى الْحِسَابَ فَهِيَ اثْنَتَانِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَوَاحِدَةٌ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي اثْنَتَيْنِ، فَقَدْ قَسَّمَ الشَّافِعِيُّ حَالَهُ فِيهِ ثلاثة أقسام:
أحدهما: أَنْ يُرِيدَ وَاحِدَةً مَعَ اثْنَتَيْنِ، فَتُطَلَّقَ ثَلَاثًا لِأَنَّ (فِي) قَدْ تَقُومُ مَقَامَ مَعَ، لِأَنَّهَا مِنْ حُرُوفِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَقُومُ بَعْضُهَا مَقَامَ بَعْضٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} [الأنبياء: ٧٧] . أَيْ عَلَى الْقَوْمِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ الْحِسَابَ وَهُوَ مَضْرُوبُ وَاحِدَةٍ فِي اثْنَتَيْنِ، فَتُطَلَّقَ اثْنَتَيْنِ، لِأَنَّهُمَا مَضْرُوبُ الْوَاحِدَةِ فِيهِمَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ إِرَادَةً، فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا، وَفِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهَا تَكُونُ وَاحِدَةً، لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إِيقَاعٌ لَهَا وَقَوْلَهُ فِي اثْنَتَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى اللِّسَانِ، ظَرْفٌ لِلْوَاحِدَةِ، وَالظَّرْفُ مَحَلٌّ لَا يَتْبَعُ الْمَقْصُودَ فِي حُكْمِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي ثَوْبَيْنِ، أَوْ فِي دَارَيْنِ، طُلِّقَتْ وَاحِدَةً إِذَا لَمْ يُرِدْ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ بِثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ كَانَ إِقْرَارًا بِالثَّوْبِ، دُونَ الْمِنْدِيلِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ: تُطَلَّقُ اثْنَتَيْنِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلطَّلَاقِ مَحَلٌّ، فَيَجْعَلُ الِاثْنَتَيْنِ ظَرْفًا، وَإِذَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا، فَصَارَ مَحْمُولًا عَلَى مُوجَبِ الْحِسَابِ فَكَانَ اثْنَتَيْنِ، وَهَذَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّلَاقِ مَحَلٌّ فَلِلْمُطَلَّقَةِ مَحَلٌّ فَجَرَى مَجْرَى قَوْلِهِ فِي ثَوْبَيْنِ وَفِي دَارَيْنِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ، فَلَمْ يَبْطُلْ حُكْمُ هَذَا الِاحْتِمَالِ.
(فَصْلٌ:)
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثَلَاثٍ، فَإِنْ أَرَادَ مَعَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرَادَ الْحِسَابَ طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ طلقت اثنين أيضاً.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا تَقَعُ عَلَيْكِ فَهِيَ وَاحِدَةٌ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute