وَلَوْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ صَحَّ بَعْدَهَا مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ وَعَاشَ دَهْرًا، ثُمَّ مات، أمضيت وصيته الْمُتَقَدِّمَةُ، مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا.
وَلَكِنْ لَوْ قَالَ: قَدْ أُوصيت إِلَى فُلَانٍ بِكَذَا إِنْ مُتُّ مِنْ مَرَضِي هذا، فصح منه: بطلت وصيته، لأن جعلها مشروطة بموته من هذا الْمَرَضِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْوَصِيَّةُ بِحَالِهَا، مَا لَمْ يخرق الموصي كتاب وصيته.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِمَا أوصى بِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَرْضَ الْمُوصَى إِلَيْهِ الْآخَرَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِإِنْفَاذِ وَصَايَاهُ، وَالْوِلَايَة عَلَى الْأَطْفَالِ، ثُمَّ حَضَرَتِ الْوَصِيَّ الْوَفَاةُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِتِلْكَ الْوَصِيَّةِ إِلَى غَيْرِهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة:
" إِنْ أَوْصَى بِهَا إِلَى غَيْرِهِ جَازَ، وَلَوْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِ ثُلُثِهِ كَانَ لِوَصِيِّهِ الْقِيَامُ بِتِلْكَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهَا اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَصِيَّ قَدْ ملك من النظر بالوصية مثل ما ملك الْجَدُّ مِنَ النَّظَرِ بِنَفْسِهِ، فَلَمَّا جَازَ لِلْجَدِّ أَنْ يُوصِيَ بِمَا إِلَيْهِ مِنَ النَّظَرِ، جَازَ للوصي أن يوصي إليه بِمَا إِلَيْهِ مِنَ النَّظَرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ وِلَايَةَ الْوَصِيِّ عَامَّةٌ فِي حَقِّ الْمُوصِي، كَمَا أَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ عَامَّةٌ فِي حُقُوقِ الْأُمَّةِ، فَلَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بَعْدَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ: جَازَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بَعْدَهُ مَنْ يقوم مقامه.
ودليلنا: شيئان:
أحدهما: أَنَّ مَنْ كَانَتْ نِيَابَتُهُ عَنْ عَقْدٍ بَطَلَ بِالْمَوْتِ كَالْوَكِيلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ اسْتِنَابَتَهُ حَيًّا، أَقْوَى مِنَ اسْتِنَابَتِهِ مَيِّتًا، فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إبدال نفسه بغيره في الحياة، فأولى أن لا يَصِحَّ مِنْهُ إِبْدَالُ نَفْسِهِ بِغَيْرِ الْوَفَاةِ.
فَأَمَّا الْجَدُّ: فَوِلَايَتُهُ بِنَفْسِهِ فَجَازَ أَنْ يُوصِيَ، كَالْأَبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوَصِيُّ، لِأَنَّ وِلَايَتَهُ بِغَيْرِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوصِيَ كَالْحَاكِمِ، عَلَى أَنَّ نَظَرَ الْحَاكِمِ أَقْوَى لِعُمُومِهِ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ: فَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بَعْدَهُ إِمَامًا يَنْظُرُ فِيمَا كَانَ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ في استخلاف عمر رضوان الله عليهما، لأنه عام الولاية، وليس لِغَيْرِهِ مَعَهُ مَا إِلَيْهِ، فَجَازَ أَنْ يُخْتَصَّ لِفَضْلِ نَظَرِهِ بِالِاسْتِخْلَافِ كَمَا لَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ ولاية خلفائه من القضاة والولاة. وَمَنْ كَانَ خَاصَّ النَّظَرِ بَطَلَ بِمَوْتِهِ وِلَايَةُ خلفائه كالقضاة والولاة. عَلَى أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ صِحَّةَ استخلاف الإمام بعد لِإِمَامٍ، مُعْتَبَرًا بِرِضَى أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَرِضَاهُمْ أن