للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَقْوَالِ لَا مِنَ الْأَفْعَالِ. كَمَا أَنَّ أبا حنيفة لَمْ يَجْعَلْ إِجْمَاعَ النَّاسِ عَلَى أَخْذِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ فِي الْكَتَاتِيبِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى شَرِكَةِ الْعِنَانِ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ قَبْلُ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْكَسْبِ أَصْلٌ وَالْمَالَ فَرْعٌ فَلَمَّا جَازَتِ الشَّرِكَةُ فِي الْفَرْعِ فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ فِي الْأَصْلِ. فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ إِنَّمَا بَطَلَتْ لِجَهَالَةِ الْعَمَلِ وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا بَطَلَتْ بِجَهَالَةِ الْمَالِ فَاسْتَوَيَا وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْقِرَاضِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ تَبَعٌ لِلْمَالِ وَجَهَالَةُ الْبَيْعِ لَا تَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ إِذَا كَانَ الْأَصْلُ مَعْلُومًا وليس كذلك شركة الْأَبْدَانِ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا - هُوَ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ فَبَطَلَتْ بِكَوْنِ الْعَمَلِ مَجْهُولًا فَإِذَا ثَبَتَ فَسَادُ شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزًا أَوْ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ فَإِنْ كَانَ مُتَمَيِّزًا اخْتُصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ كَانَ مَا حَصَلَ لَهُمَا مِنَ الْكَسْبِ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا عَلَى قُدُورِ أُجُورِ أَمْثَالِهِمَا فَيَصْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْكَسْبِ بِقِسْطِهِ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ.

(فَصْلٌ)

فَلَوِ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي اصْطِيَادِ صَيْدٍ لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ وَمَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا انْفَرَدَ بِهِ مِنْ صَيْدِهِ. فَلَوِ اجْتَمَعَا عَلَى صَيْدٍ مَلَكَاهُ جَمِيعًا لِاسْتِوَاءِ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ. فَيَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ إِنْ كَانَ وَإِلَّا تَقَاصَّا لِأَنَّ ذَلِكَ مَمْلُوكٌ عَنْ شَرِكَةٍ فَاسِدَةٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَنْ عَقْدِ شَرِكَةٍ مَلَكَاهُ وَلَا أُجْرَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَهَكَذَا لَوْ وَضَعَا شَبَكَةً أَوْ شِرْكًا بَيْنَهُمَا فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ مَلَكَاهُ مَعًا وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ نِصْفُ أُجْرَةِ نصف حصته من الشبكة وذلك أجرة ربع الشبكة فلو وكل رجلان في اصطياد صَيْدٍ أَوِ احْتِشَاشِ حَشِيشٍ جَازَ وَمَلَكَ الْمُوَكِّلُ مَا حُصِّلَ مِنَ الصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ وَهَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَ فِي اصْطِيَادِ صَيْدٍ مَلَكَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِإِجَارَتِهِ وَفَعَلَ فَعَلَيْهِ لِلْأَجِيرِ أُجْرَتُهُ الْمُسَمَّاةُ وَهَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُمْ لِإِحْيَاءِ مَوَاتٍ صَحَّتِ الْإِجَارَةُ وَكَانَ لِلْأُجَرَاءِ فِيمَا أَحْيَوْهُ الْأُجْرَةُ وَمَلَكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ بِإِحْيَاءِ الْأَجِيرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ للأجير ملك ينتقل عنه.

[(فصل)]

وإذا اشتركا أَرْبَعَةٌ فِي زِرَاعَةِ أَرْضٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمُ الْأَرْضُ وَمِنَ الْآخَرِ الْبَذْرُ وَمِنَ الْآخَرِ بَقَرُ الْحَرْثِ وَمِنَ الْآخَرِ الْعَمَلُ كَانَتْ شَرِكَةً فَاسِدَةً لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إِنَّمَا تَصِحُّ فِيمَا لَا يَتَمَيَّزُ إِذَا خُلِطَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الزَّرْعُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى عِوَضٍ فَاسِدٍ.

(فَصْلٌ)

فَلَوِ اشْتَرَكَ أَرْبَعَةٌ فِي طَحْنِ حِنْطَةٍ لِرَجُلٍ بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِهِمُ الرَّحَا وَمِنَ الْآخَرِ الْبَغْلُ وَمِنَ الْآخَرِ الْبَيْتُ وَمِنَ الْآخَرِ الْعَمَلُ فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا فِي ذِمَمِهِمْ وَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ. فَإِذَا طَحَنُوا فَالْأُجْرَةُ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>