للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَيْسَتِ الْمَرَاسِيلُ عِنْدَكُمْ حُجَّةً.

قِيلَ: قَدْ عَضَّدَ هَذَا الْمُرْسَلَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ مَا رَوَى الْمِنْهَالُ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: إِذَا تُزُوِّجَتِ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ قَسَمَ لَهَا يَوْمَيْنِ، وللأمة يوماً وإذا عضد المرسل قول الصحابي صَارَ الْمُرْسَلُ حُجَّةً.

وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ يُعْرَفُ لعلي - رضي الله تعالى عنه - فِي هَذَا الْقَوْلِ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَلِأَنَّ مَا كَانَ ذَا عَدَدٍ تَبَعَّضَتِ الْأَمَةُ فِيهِ مِنَ الْحُرَّةِ كَالْحُدُودِ وَالْعِدَّةِ وَالطَّلَاقِ.

وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْقَسْمِ لَهَا فِي مُقَابَلَةِ وُجُوبِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَلَمَّا تَبَعَّضَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا مِنَ الْحُرَّةِ لِاسْتِحْقَاقِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي اللَّيْلِ وَوُجُوبِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْحُرَّةِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَجَبَ أَنْ يَتَبَعَّضَ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ مِنَ الْقَسْمِ.

فَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَا دليل فيه، لأن العمل بما أوجبه لشرع لا يكون ميلاً محظوراً وأما اسْتِدْلَالَهُمْ بِقَسْمِ الِابْتِدَاءِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَسْتَوِيَانِ فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهُمَا لَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ بَلْ يَتَفَاضَلَانِ كَقَسْمِ الِانْتِهَاءِ فَسَقَطَ الدَّلِيلُ.

الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهَا يَتَسَاوَيَانِ فِي قَسْمِ الِابْتِدَاءِ وَإِنْ تَفَاضَلَا فِي قَسْمِ الِانْتِهَاءِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَسْمَ الِابْتِدَاءِ مَوْضُوعٌ لِلْأُنْسِيَّةِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَقَسْمُ الِانْتِهَاءِ مَوْضُوعٌ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالْأَمَةِ نَاقِصٌ عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْحُرَّةِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ قَسْمَ الْأَمَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ قَسْمِ الْحُرَّةِ فَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، وَمِنْ فِيهَا جُزْءٌ مِنَ الرِّقِّ، وَإِنْ قَلَّ فَإِنْ أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ فِي وَقْتِ قَسْمِهَا كَمَّلَ لَهَا قَسْمَ حُرَّةٍ وَلَوْ أُعْتِقَتْ بَعْدَ زَمَانِ قَسْمِهَا اسْتَأْنَفَ لَهَا فِيمَا يَسْتَقْبِلُهُ مِنَ النُّوَبِ قَسْمَ حُرَّةٍ لَكِنَّهُ يَقْسِمُ لِلْحُرَّةِ مِثْلَ مَا كَانَ لِلْأَمَةِ مِنَ الْقَسْمِ، كَأَنَّهُ كَانَ يَقْسِمُ لِلْأَمَةِ لَيْلَةً، وَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ، فَاسْتَكْمَلَتِ الْأَمَةُ لَيْلَتَهَا وَهِيَ عَلَى الرِّقِّ، وَأَقَامَ مَعَ الْحُرَّةِ لَيْلَةً وَاحِدَةً ثُمَّ أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ الْحُرَّةَ عَلَى تِلْكَ اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ صَارَتْ مِثْلَهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ نَصًّا فِي الْقَدِيمِ.

وَفِيهِ عِنْدِي نَظَرٌ، لِأَنَّ عِتْقَ الْأَمَةِ يُوجِبُ تَكْمِيلَ حَقِّهَا وَلَا يُوجِبُ نُقْصَانَ حَقِّ غَيْرِهَا فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْحُرَّةُ عَلَى حَقِّهَا، وَيَسْتَقْبِلَ زِيَادَةَ الْأَمَةِ بَعْدَ عِتْقِهَا، فَلَوْ أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِعِتْقِهَا حَتَّى مَضَى لَهَا نَوْبٌ فِي الْقَسْمِ ثُمَّ عَلِمَ، لَمْ يَقْضِ مَا مَضَى وَكَمَّلَ قِسْمَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>