للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا فِدْيَةَ فِيهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ؛ لِأَنَّ رَائِحَةَ الطِّيبِ مَقْصُودَةٌ دُونَ لَوْنِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعُصْفُرَ أَشْهَرُ لَوْنًا مِنْهُ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، وَلِأَنَّ رَائِحَةَ الطِّيبِ لَوْ زَالَتْ مِنَ الثَّوْبِ، وَبَقِيَ لَوْنُهُ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الْفِدْيَةُ، فَكَذَلِكَ الطَّعَامُ الْمَأْكُولُ، إِذَا بَقِيَ فِيهِ لَوْنُ الطِّيبِ لَمْ تَجِبِ الْفِدْيَةُ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَمْنَعُ مِنْ تَخْرِيجِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَيَحْمِلُ اخْتِلَافَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ، إِذَا بَقِيَ مَعَ لَوْنِ الطِّيبِ، إِمَّا رِيحُهُ، أَوْ طَعْمُهُ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَسْقَطَ الْفِدْيَةَ إِذَا لَمْ يَبْقَ غَيْرُ لَوْنِهِ، وَسَوَاءٌ مَا مَسَّهُ النَّارُ أَوْ غَيْرُهُ.

فَصْلٌ

: إِذَا أَكَلَ الْمُحْرِمُ طِيبًا، افْتَدَى، إِلَّا أَنْ يَكُونَ عوداً فلا يفتدي بأكله؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَطَيِّبًا بِهِ، إِلَّا أَنْ يتخير بِهِ وَمَا سِوَاهُ مِنَ الطِّيبِ يَكُونُ مُتَطَيِّبًا به بملاقاة بشره وكذلك لو استعاط الطِّيبَ، أَوِ احْتَقَنَ بِهِ، أَوِ اقْتَصَرَ عَلَى شَمِّهِ، افْتَدَى.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَفْتَدِي بِشَمِّ الطِّيبِ، حَتَّى يَسْتَعْمِلَ فِي جَسَدِهِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى شَمِّ الرَّائِحَةِ لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ، كَمَا لَوْ شَمَّهَا مِنَ الْعَطَّارِينَ.

وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِالطِّيبِ، يَكُونُ تَارَةً بِالشَّمِّ، وتارة بالاستعمال في البشرة ثم شمه فَكَانَ بِالْفِدْيَةِ أَوْلَى، وَلَيْسَ شَمُّهَا مِنْ غَيْرِهِ اسْتِمْتَاعًا كَامِلًا، وَلَا يُسَمَّى بِهِ مُتَطَيِّبًا فَافْتَرَقَا.

[مسألة]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالْعُصْفُرُ لَيْسَ مِنَ الطِّيبِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْعُصْفُرُ لَيْسَ مِنَ الطِّيبِ، وَلَا في حكم الطيب، وإن ليس الْمُحْرِمُ أَوِ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبًا مُعَصْفَرًا جَازَ، وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا.

وَقَالَ أبو حنيفة: الْعُصْفُرُ لَيْسَ مِنَ الطِّيبِ، وَلَكِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الطِّيبِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ وَلَا الْمُحْرِمَةِ لُبْسُ الْمُعَصْفَرِ، سَوَاءٌ كَانَ يُنْفَضُ أَوْ لَمْ يُنْفَضْ، فَإِنْ لَبِسَ الْمُحْرِمُ أَوِ الْمُحْرِمَةُ مُعَصْفَرًا، فَإِنْ كَانَ يُنْفَضُ فَعَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْفَضُ، فَلَا فدية عليهما، استدلالاً بأن المعصفر لَوْنًا وَرَائِحَةً، كَالزَّعْفَرَانِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةٍ مَا ذكرنا: رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى النساء في إحرامهم عن القفازين النقاب، وَيَلْبَسْنَ مَا شِئْنَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ معصفرٍ وَخَزٍّ وَحُلِيٍّ وَرَوَى أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: " أَبْصَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ثَوْبَيْنِ مُضَرَّجَيْنِ وَهُوَ مُحْرِمٌ. فَقَالَ: " مَا هَذِهِ الثِّيَابُ؟ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا إِخَالُ أَحَدًا يُعَلِّمُنَا السُّنَّةَ فَسَكَتَ عُمَرُ ". وَرُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: مَاذَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ مِنَ الثِّيَابِ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: كَلُبْسِ مُعَصْفَرِهَا، وَحَرِيرِهَا، وَحُلِيِّهَا ". فَعَلِيٌّ إِنَّمَا أَشَارَ إِلَى سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وعائشة إنما

<<  <  ج: ص:  >  >>