وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الِاعْتِكَافُ فِيهِمَا، فَإِنِ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِمَا لَمْ يُجْزِهِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُسْتَحَبُّ لَهُ فَإِنِ اعْتَكَفَ فِي غَيْرِهِمَا جاز.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَخْرُجُ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ إِلَى مَنْزِلِهِ وَإِنْ بَعُدَ ".
قال الماوردي: أما خروجه للبول والغائط فجايز إِجْمَاعًا، لِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يَخْرُجُ إِلَى الْبَيْتِ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ كِنَايَةً عَنِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا بِهِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ وَضَرُورَةٌ فَصَارَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ نَذْرِهِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ جَوَازُ الْخُرُوجِ إِلَى مَنْزِلِهِ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا أَوْ سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي طَرِيقِهِ، أَوْ مَنْزِلِ صَدِيقِهِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ فِي عدوله عن منزله إلى طريقه بذلة، وَإِلَى مَنْزِلِ صَدِيقِهِ حِشْمَةً فَكَانَ أَوْلَى الْأُمُورِ له قصد منزله.
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَرِيضِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَإِنْ أَكَلَ فِيهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُقِيمُ بَعْدَ فَرَاغِهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِنْ خَرَجَ مِنَ اعْتِكَافِهِ قَاصِدًا لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ، بَطَلَ اعْتِكَافُهُ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، وَلَكِنْ لَوْ خَرَجَ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ جَازَ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الْمَرِيضِ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ، فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ وَلَا يُعَرِّجُ عليه وكان يسأل عنه.
[فصل]
: قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ خَرَجَ إِلَى مَنْزِلِهِ لِلْأَكْلِ جَازَ، وَلَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ جَازَ أَنْ يَقِفَ لِيَأْكُلَ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي الطِّيبِ بْنِ سَلَمَةَ: إِنَّهُ إِنْ خَرَجَ لِلْأَكْلِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَلَكِنْ لَوْ خَرَجَ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ، جَازَ أَنْ يَأْكُلَ فِي طَرِيقِهِ، وَلَا يُطِيلُ فَإِنْ أَطَالَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ قَالَا: لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ عَطَفَ بِالْأَكْلِ عَلَى عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، فَهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَى الْخُرُوجِ حَاجَةً وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ خَطَأٌ، لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّ فِي أَكْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ بِذْلَةً وَحِشْمَةً وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصِّيَانَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute