للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاتَ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ بِزَمَانٍ قَرِيبٍ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ كَالْقَتِيلِ فِي الْمُعْتَرَكِ، سَوَاءٌ أَكَلَ الطَّعَامَ أَمْ لَا، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبِ وَانْكِشَافِهَا بِزَمَانٍ بَعِيدٍ غُسِّلَ وصلى عليه.

وقال أبو حنيفة إذا مَاتَ قَبْلَ أَكْلِ الطَّعَامِ لَمْ يُغَسَّلْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَكْلِ الطَّعَامِ غُسِّلَ، وَالِاعْتِبَارُ بِقُرْبِ الزَّمَانِ وَبُعْدِهِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ عبيدة ابن الْحَارِثِ أُصِيبَتْ رِجْلُهُ بِبَدْرٍ فَحُمِلَ وَعَاشَ حَتَّى مَاتَ بِالصَّفْرَاءِ، فَغَسَّلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَلَوْ أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ رَجُلًا وَقَتَلُوهُ بِأَيْدِيهِمْ صَبْرًا فَفِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْجَرِيحِ إِذَا خَلَصَ حَيًّا وَمَاتَ، لِأَنَّ خُرُوجَ رُوحِهِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا بِيَدِ مُشْرِكٍ حَرْبِيٍّ كالقتيل في المعترك، فأما من مات شهيداً بغرق أَوْ حَرْقٍ أَوْ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ قُتِلَ غِيلَةً أَوْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَكُلُّ هؤلاء لا يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ فَقَدْ قُتِلَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ شُهَدَاءَ فَغُسِّلُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ.

فَصْلٌ

: إِذَا قُتِلَ الصَّبِيُّ أَوِ الْمَرْأَةُ فِي مُعْتَرَكِ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يُغَسَّلُوا وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ كَغَيْرِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ، وَوَافَقَنَا أبو حنيفة فِي الْمَرْأَةِ، وَخَالَفَنَا فِي الصَّبِيِّ، فَقَالَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، لِأَنَّ تَرْكَ الْغُسْلِ تَطْهِيرٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَالصَّبِيُّ لَا ذَنْبَ لَهُ فَلَا يَلْحَقُهُ التَّطْهِيرُ، فَوَجَبَ أَنْ يُغَسَّلَ، وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ الْبَالِغَ مُخَاطَبٌ فِي حَيَاتِهِ بِطَهَارَتَيِ الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ النَّجَسِ وَلَا يَلْزَمُ الصَّبِيُّ وَاحِدًا مِنْهُمَا، فَلَمَّا سَقَطَ لِلشَّهَادَةِ الْغُسْلُ فِيمَنْ تَلْزَمُهُ الطَّهَارَتَانِ فِي حَيَاتِهِ فَلَأَنْ تَسْقُطَ بِهَا عَمَّنْ لَا تَلْزَمُهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ حُكْمَ الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ يَجْرِيَانِ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ عَلَى سَوَاءٍ كَالْمَوْتَى، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَرْكُ الْغُسْلِ تَطْهِيرٌ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا تُرِكَ لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِكَرَامَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْهُ.

فَصْلٌ

: إِذَا كَانَ قَبْلَ الْمَعْرَكَةِ جُنُبًا فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي إِيجَابِ غُسْلِهِ، لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَجِبُ غُسْلُهُ لِلْجَنَابَةِ لَا لِلْمَوْتِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فَمَنْ أَوْجَبَ غُسْلَهُ اسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ " أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ قُتِلَ يوم

<<  <  ج: ص:  >  >>