للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَبْرَأَ مِنَ التَّثْبِيطِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ كَالْجُرْحِ إِذَا مَاتَ بَعْدَ انْدِمَالِهِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا لَفَحَتْهُ النَّارُ وَتَثْبِيطُ جَسَدِهِ.

فَصْلٌ خَامِسٌ: إِذَا أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَغَرِقَ فِيهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُلْقِيَهُ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ يَبْعُدُ سَاحِلُهُ، فَهَذَا قَاتِلُ عَمْدٍ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَوْمَ أَوْ لَا يُحْسِنُ لِأَنَّهُ بِالْعَوْمِ لَا يَصِلُ إِلَى السَّاحِلِ مَعَ بُعْدِهِ.

وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْبَحْرُ نَارٌ فِي نَارٍ " فَشَبَّهَهُ بِالنَّارِ لِإِتْلَافِهِ.

وَأَغْزَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جَيْشًا فِي الْبَحْرِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَلَمَّا عَادَ سَأَلَهُ عَنْ أَحْوَالِهِمْ فَقَالَ: دُودٌ عَلَى عُودٍ، بَيْنَ غَرَقٍ أَوْ فرق فآلا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يُغْزِيَ فِي الْبَحْرِ أَحَدًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُلْقِيَهُ فِي نَهْرٍ أَوْ بَحْرٍ يَقْرُبُ مِنَ السَّاحِلِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْبِطَهُ أَوْ يُثْقِلَهُ حَتَّى لا يقدر على الخلاص من الماء غرير فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ أَيْضًا، كَالْمُلْقَى فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا غَيْرَ مَرْبُوطٍ وَلَا مُثْقَلٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُحْسِنَ الْعَوْمَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُحْسِنَ الْعَوْمَ فَلَا يَعُومُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى خَلَاصِ نَفْسِهِ، فَصَارَ مُتْلِفًا لَهَا.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فَخَرَّجَهَا بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْمُلْقَى فِي النَّارِ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَمَنَعَ الْبَاقُونَ مِنْ وُجُوبِهَا، قَوْلًا وَاحِدًا، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمَاءِ وَالنَّارِ بِأَنَّ الْإِلْقَاءَ فِي النَّارِ جِنَايَةٌ مُتْلِفَةٌ لَا يُقْدِمُ النَّاسُ عَلَيْهَا مُخْتَارِينَ وَلَيْسَ الْإِلْقَاءُ فِي الْمَاءِ لِمَنْ يُحْسِنُ الْعَوْمَ جِنَايَةً عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَعُومُونَ فِيهِ مُخْتَارِينَ لِتَبَرُّدٍ أَوْ تنظف، فلا ينسون إِلَى تَغْرِيرٍ.

فَلَوْ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْإِلْقَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْقَوَدِ عَلَى مَا فَصَّلْنَا فَلَا قَوَدَ فِيهِ إِذَا الْتَقَمَهُ الْحُوتُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ مِنْ جِهَتِهِ أَفْضَى إلى تلفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>