للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

فَلَوْ أَنَّ هَذَا الْوَلِيَّ الْفَاسِقَ وَكَّلَ وكيلاً عدلاً كانت وكالته باطلة؛ لأن الفسق قد زالت عنه الولاية فلم يصح مِنْهُ الْوَكَالَةُ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ عَدْلًا فَوَكَّلَ وَكِيلًا فَاسِقًا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَبْطَلَ الْفِسْقُ وِلَايَةَ الْوَلِيِّ مَعَ قُوَّتِهَا كَانَ أَوْلَى أَنْ يُبْطِلَ وِلَايَةَ الْوَكِيلِ مَعَ ضَعْفِهَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ وَيَصِحُّ عَقْدُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ وَالْوَلِيُّ مِنْ وَرَائِهِ لاستدراك ذلك.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَكِيلًا لِوَلِيِّ غيرها عَلَى النِّكَاحِ كَالْأَبِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ بِفِسْقِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْذَانُهَا فَصَارَتْ وِلَايَةَ تَفْوِيضٍ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا لِمَنْ لَا يُجْبِرُهَا عَلَى النِّكَاحِ صَحَّتْ وَكَالَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِدُ إِلَّا عَنِ اسْتِئْذَانِهَا.

فَصْلٌ

فَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ أَعْمَى فَفِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ وَجَوَازِ عَقْدِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تَصِحُّ وِلَايَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَى يَمْنَعُهُ مِنْ طَلَبِ الْحَظِّ لِوَلِيَّتِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ وَعَقْدَهُ صَحِيحٌ، لأن شعيب زَوَّجَ مُوسَى بِابْنَتِهِ، وَكَانَ ضَرِيرًا وَلِأَنَّهُ قَدْ يصل إلى معرفة الحظ بالبحث والسؤال لأن معرفة الحظ لا توصل إِلَيْهِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ.

فَإِنْ قِيلَ بِهَذَا الْوَجْهِ صَحَّ عَقْدُهُ وَتَوْكِيلُهُ.

وَإِنْ قِيلَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ فَهَلْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ توكيله؛ لأنه لما لم تصح مِنْهُ مُبَاشَرَتُهُ كَانَ بِأَنْ لَا تَصِحَّ عَنْهُ الاستنابة أَوْلَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ الْمُبَاشَرَةُ لَهُ بِنَفْسِهِ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بنفسه ويصح أن يوكل فيه.

[فصل]

ولو كَانَ الْوَلِيُّ أَخَرَسًا فَفِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ وَجَوَازِ عَقْدِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ وِلَايَتَهُ بَاقِيَةٌ وَعَقْدَهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَظِّ وَقَدْ تَقُومُ إِشَارَتُهُ فِيهِ مَقَامَ النُّطْقِ كَمَا يَقُومُ مَقَامُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يُوكِّلَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ إِشَارَتَهُ مُحْتَمَلَةٌ، وَإِذَا أُقِيمَتْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لضرورة مَقَامَ نُطْقِهِ لَمْ تَدْعُ الضَّرُورَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِي احتمال الإشارة موجود في توكيله لوجوده فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَصِحَّا مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[فصل]

فأما إن كان الولي عدواً للزوجة، أو الزوج، أَوْ لَهُمَا فَهُوَ عَلَى وِلَايَتِهِ وَعَقْدُهُ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الشُّهُودِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْوَلِيِّ مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ وَمِنَ الشُّهُودِ الْأَدَاءُ، وَالْعَدَاوَةُ تَمْنَعُ مِنَ الْأَدَاءِ وَلَا تَمْنَعُ مِنَ العقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>