للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي أَكْثَرِهِ ثَلَاثُ روايات إحداهن خمسة عشرة يَوْمًا، كَقَوْلِنَا وَالثَّانِيَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَقَوْلِ الماجشون، والثالث أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ، وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَأَكْثَرُ الْحَيْضِ عشرٌ " وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَيَالِي وَالْأَيَّامِ "، وَهَذَا يَنْطَلِقُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَمَا دُونُ، وَبِقَوْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قُرْءُ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى عَشْرٍ.

وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ النَبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ضحىً أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى وَانْصَرَفَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عقلٍ ودينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَ، يَا مَعْشَرَ النَسَاءِ فَقُلْنَ مَا نُقْصَانُ عَقْلِنَا وَدِينِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شهادة المرأة بنصف شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى، قَالَ فَذَلِكَ نُقْصَانُ عقلها، أرأيت إذا حاضت لم تصل ولم تصم.

رَوَى شَطْرَ دَهْرِهَا قَالَ: فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا ".

وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَوْصُوفَةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نِصْفُ كُلِّ شَهْرٍ حَيْضًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلِأَنَّهُ دَمٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ، فَجَازَ أَنْ يَبْلُغَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، كَالنِّفَاسِ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ يُرْخِيهِ الرَّحِمُ جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ صَحِيحَةٌ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، كَالطُّهْرِ، وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِمَا ذَكَرَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَهُوَ قَوْلُ أبى حنيفة وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ: أَقَلُّهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ.

وَدَلِيلُنَا مَعَ اعْتِبَارِ الْعَادَةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَقْعُدُ شَطْرَ دَهْرِهَا لَا تُصَلِّي "، وَلِأَنَّ الشَّرْعَ قَدِ اسْتَقَرَّ نَصًّا بِأَنَّ الشَّهْرَ فِي مُقَابَلَةِ قُرْءٍ جَامِعٍ لِحَيْضٍ وَطُهْرٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ عَلَى الْمُؤَيَّسَةِ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ إِمَّا لِأَنَّ الشَّهْرَ يَجْمَعُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَأَكْثَرَ الطُّهْرِ، أَوْ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَقَلَّ الْحَيْضِ، وَأَقَلَّ الطُّهْرِ أَوْ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، وَأَقَلَّ الطُّهْرِ أَوْ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرَ الطُّهْرِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يكون جامعاً لأكثر الأمرين؛ لأن أكثر الطهر غير محدود ولم يجز أن يكون جامعاً، لأقل الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ جَامِعًا لِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِ الطُّهْرِ، لِأَنَّهُ يَتَجَاوَزُ الشَّهْرَ فَثَبَتَ أَنَّهُ جَامِعٌ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ وَأَقَلِّ الطُّهْرِ، فَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِمَا دَلَّلْنَا ثَبَتَ أن أقل الطهر خمسة عشر يوماً.

<<  <  ج: ص:  >  >>