تَدَاخُلِهَا مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَخَالَفَتْ حَدَّ الزِّنَا، وَقَطْعَ السَّرِقَةِ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ فَجَازَ أَنْ يَتَدَاخَلَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ إِذَا تَجَانَسَا، لِأَنَّ تَدَاخُلَهَا غَيْرُ مُسْقِطٍ لِحَقِّهِ مِنْ جَمِيعِهَا.
وَأَمَّا إِنْ شَرَكَ بَيْنَهُمْ فِي الْقَذْفِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالَ لِجَمَاعَتِهِمْ: زَنَيْتُمْ، أَوْ قَالَ لَهُمْ يَا زُنَاةُ، فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُمْ حَدٌّ وَاحِدٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِأَنَّ كَلِمَةَ الْقَذْفِ وَاحِدَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَاحِدًا.
وَالثَّانِي: لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ بِهَا قَدِ ارْتَفَعَتْ بِتَكْذِيبِهِ عَلَيْهَا بِالْحَدِّ فَوَجَبَ أَنْ يَرْتَفِعَ حُكْمُ جَمِيعِهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدًّا كَامِلًا لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقْذُوفٌ، فَوَجَبَ أَنْ يُحَدَّ لِقَذْفِهِ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهُ.
وَالثَّانِي: لِأَنَّ الْحُقُوقَ إِذَا لَمْ تَتَدَاخَلْ إِذَا انْفَرَدَتْ لَمْ تَتَدَاخَلْ إِذَا اجْتَمَعَتْ، كَالْقِصَاصِ وَالدُّيُونِ، وَإِذَا تَدَاخَلَتْ إِذَا اجتمعت تداخلت إذا انفردت كالزنى وَالسَّرِقَةِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ كَمَا كَانَ لَوْ أَقَامَ البينة عليهم بالزنا حداً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدًّا وَجَبَ إِذْ عَدِمَهَا أَنْ يُحَدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ فِي جِهَتِهِ فِي مُقَابَلَةِ حَدِّ الزِّنَا فِي جِهَتِهِمْ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا وَقَذَفَ أَرْبَعَ زَوْجَاتٍ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا يَخْلُو فِي قَذْفِهِنَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ، فَفِيمَا يُحَدُّ لَهُنَّ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْقَدِيمُ يُحَدُّ لِجَمَاعَتِهِنَّ حَدًّا وَاحِدًا إِذَا اجْتَمَعْنَ عَلَى الطَّلَبِ، فَإِذَا طَلَبَتْ وَاحِدَةٌ فَحُدَّ لَهَا وَالْبَاقِيَاتُ مُتَأَخِّرَاتٌ لِغَيْبَةٍ ثُمَّ حَضَرْنَ فَطَالَبْنَ لَمْ يُحَدَّ ثَانِيَةً لِئَلَّا يُضَاعَفَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِغَيْبَتِهِنَّ، وَيَكُونُ الْحَدُّ مُسْتَوْفِيَ حَقِّ مَنْ حَضَرَ وَغَابَ، وَلَوْ حَضَرْنَ فَعَفَوْنَ إِلَّا وَاحِدَةً حُدَّ لَهَا حَدًّا كَامِلًا وَلَمْ يَتَبَعَّضِ الْحَدُّ فِي حُقُوقِهِنَّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَدًّا كَامِلًا إِذَا طَلَبَتْ، فَإِنِ اجْتَمَعْنَ عَلَى الطَّلَبِ وَتَنَازَعْنَ فِي التَّقْدِيمِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ وَقُدِّمَ حَقُّ مَنْ قُرِعَ مِنْهُنَّ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُجِيبَ إِلَى مُلَاعَنَتِهِنَّ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِلِعَانٍ مُفْرَدٍ سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهُ يُحَدُّ لَهُنَّ حَدًّا وَاحِدًا أَوْ حُدُودًا وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَهُنَّ فِي لِعَانٍ وَاحِدٍ لأمرين: