للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَقٌّ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَ الزَّارِعَ عَلَى أَخْذِ قِيمَةِ زَرْعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قَلْعُ الزَّرْعِ مُضِرًّا بِأَرْضِهِ أَمْ لَا.

وَقَالَ أبو حنيفة إِنْ كَانَ قَلْعُهُ مُضِرًّا بِالْأَرْضِ أُجْبِرَ الزَّارِعُ عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عَطَاءٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قومٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شيءٌ وَلَهُ نَفَقَتُهُ، وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يَحِلُّ مَالُ امرئٍ مسلمٍ إِلَّا بِطِيبِ نفسٍ مِنْهُ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شيءٌ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ إِذَا رُوضِيَ عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي اسْتِيفَائِهِ، وَقَوْلُهُ: وَلَهُ نَفَقَتُهُ أَيْ: زَرْعُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ نَفَقَتَهُ هِيَ مِنْ مَالِهِ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا جَعَلْتُمْ وَلَدَ الْأَمَةِ مِنْ زِنًا لِسَيِّدِهَا دُونَ الزَّانِي بِهَا لِعُدْوَانِهِ لَزِمَكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا زَرْعَ الْغَاصِبِ لِرَبِّ الْأَرْضِ دُونَ الْغَاصِبِ لِعُدْوَانِهِ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ زَرْعَ الْغَاصِبِ مِنْ بَذْرِهِ يَقِينًا فَجُعِلَ لَهُ وَوَلَدَ الزَّانِي مِنْ مَائِهِ ظَنًّا لَا يَقِينًا فَلَمْ يَجْعَلْهُ لَهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ بَذْرَ الزَّارِعِ مَالَ مَمْلُوكٍ تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، فَصَارَ مَا حَدَثَ عَنْهُ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ وَلَيْسَ مَاءُ الزَّانِي مَوْصُوفًا بِالْمِلْكِ، وَلَا تَجُوزُ عَلَيْهِ الْمُعَاوَضَةُ فَلَمْ يَصِرْ مَا حَدَثَ عَنْهُ مِلْكًا لِلزَّانِي.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنْ لَا حَقَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي الزَّرْعِ فَلَا يَخْلُو حَالُ رَبِّ الْأَرْضِ وَالزَّارِعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى تَرْكِ الزَّرْعِ إِلَى أَوَانِ الْحَصَادِ، فَيَجُوزُ وَيُؤْخَذُ الزَّارِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى قَلْعِ الزَّرْعِ بَقْلًا فَيَجُوزُ وَيُؤْخَذُ الزَّارِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إِلَى حِينِ قَلْعِهِ وَبِأَرْشِ نَقْصِهِ إِنْ حَدَثَ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فَيَدْعُوَ الزَّارِعُ إِلَى اسْتِيفَائِهِ إِلَى وَقْتِ الْحَصَادِ، وَيَدْعُوَ رَبُّ الْأَرْضِ إِلَى قَلْعِهِ بَقْلًا فِي الْحَالِ، فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ وَيُجْبَرُ الزَّارِعُ عَلَى الْقَلْعِ وَغَرِمَ الأجرة والأرش.

<<  <  ج: ص:  >  >>