اخْتِلَاطِهِ بِالْمَاءِ، وَالْغُسْلُ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ فَيَصِلُ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ أَوْ يُجَاوِزُ الْمَاءُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ فِي الدُّهْنِ لِأَنَّهُ يَطْفُو عَلَى رَأْسِ الْمَاءِ. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْن سُرَيْجٍ: غَسْلُ الزَّيْتِ مُمْكِنٌ وَهُوَ أَنْ يُرَاقَ فِي قُلَّتَيْنِ مِنْ مَاءٍ بِأَشَدِّ تَحْرِيكٍ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إِلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَعَلَى هَذَا خَرَجَ جَوَازُ بَيْعِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بَيْعُهُ جَائِزٌ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ.
وَالثَّانِي: بَاطِلٌ بِخِلَافِ الثَّوْبِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا أَفْضَى إِلَى الطَّهَارَةِ فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ جَازَ بَيْعُهُ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ. وَهَكَذَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ حَرَّمَ بَيْعَ الْمَاءِ النَّجِسِ الَّذِي يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَصْلٌ: فِي بَيَانِ الْجَلَّالَةِ وَحُكْمِهَا
وَأَمَّا الْجَلَّالَةُ مِنَ الْبَهَائِمِ الْمَأْكُولَةِ وَهِيَ الَّتِي تَرْعَى الْأَقْذَارَ وَالزِّبْلِ فَبَيْعُهَا جَائِزٌ لِطَهَارَتِهَا. وَإِنَّ ما رعته من الأقذار صار في مجل الْأَنْجَاسِ، وَأَكْلُهَا جَائِزٌ لِهَذَا الْمَعْنَى.
لَكِنِ جَاءَ الْأَثَرُ بِالتَّوَقُّفِ عَنْ ذَبْحِهَا بَعْدَ رَعْيِ الْأَقْذَارِ، فِي الْبَعِيرِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالْبَقَرَةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالشَّاةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالدَّجَاجَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. فَيَخْتَارُ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ.
فَصْلٌ: فِي بَيَانِ آلَاتِ الْمَلَاهِي وَحُكْمُ بَيْعِهَا
فَأَمَّا الْمَلَاهِي كَالطُّنْبُورِ وَالْعُودِ وَالدُّفِّ وَالْمِزْمَارِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا إِذَا فُصِلَتْ جَازَ بَيْعُهَا، وَكَذَلِكَ اللَّعِبُ.
لَكِنْ يُكْرَهُ بَيْعُ ذَلِكَ قَبْلَ تَفْصِيلِهِ لِبَقَاءِ الْمَعْصِيَةِ فِيهِ. فَإِنْ بِيعَ عَلَى حَالِهِ جَازَ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِذَا فُصِلَ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِ اللَّهْوِ بِحَالٍ، وَهَذَا نَادِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْلُحُ لِلْحَطَبِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ لَهُ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَبِيعَهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. فَأَمَّا عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى عَمَلِ ذَلِكَ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى إِحْدَاثِ مَعْصِيَةٍ.
فَصْلٌ: فِي بيان حكم بيع دور مكة وإجارتها
فَأَمَّا بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَعَقَارِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَبِإِجَارَتِهَا أَرْضِهَا وَبِنَائِهَا. وَرَوَاهُ الحسن بن زياد عَنْ أبي حنيفة.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا إِجَارَتُهَا مِنَ الْوَارِدِينَ إِلَيْهَا.
وَرَوَاهُ أبو يوسف ومحمد عَنْ أبي حنيفة، تَعَلُّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: ٢٥] . فَسَوَّى بَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ فِيهِ