للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الظَّاهِرِ لَا يُحِيلُ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ انْقَسَمَتْ أَحْكَامُهُ سِتَّةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُحْكَمَ بِشَهَادَةِ صِدْقٍ أَوْ يَمِينِ صِدْقٍ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ، فَحُكْمُهُ نَافِذٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَعَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَزِمَهُ فِيمَا كَانَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَلِلْمَحْكُومِ لَهُ أَنْ يَسْتَبِيحَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُحْكَمَ بِشَهَادَةِ زُورٍ أَوْ يَمِينٍ كَاذِبَةٍ فِيمَا لَا تختلف فيه مذاهب الفقهاء، كشاهدين زُورٍ شَهِدَا لِرَجُلٍ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ مُنْكِرَةٍ، فَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِنِكَاحِهَا، فَهِيَ حَلَالٌ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَحَرَامٌ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ، وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ غَيْرَهُ فِي الْبَاطِنِ، وَلَيْسَ لَهَا نِكَاحُهُ فِي الظَّاهِرِ.

وَلَوْ طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا، وَأَنْكَرَهَا، وَحَاكَمَتْهُ فَأَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ لَهَا حَلَّتْ لَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ، وَحَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ فِي الْبَاطِنِ، وَمُنِعَتْ مِنَ التَّزْوِيجِ بِغَيْرِهِ فِي الظَّاهِرِ ثَمَّ عَلَى هَذَا.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُحْكَمَ بِمَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ لِبَاطِنِهِ، وَلَا تَنْبَرِمُ عَلَانِيَتُهُ بَعْدَ حُكْمِهِ كَرَجُلٍ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى رَجُلٍ وَجَحَدَهُ الْمُشْتَرِي، وَحَاكَمَهُ، فَأَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِهَا وَعَادَتِ الْجَارِيَةُ إِلَى بَائِعِهَا، فَالْأَوْلَى لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْمِلَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الِاسْتِقَالَةِ، وَيَحْمِلَ الْبَائِعَ عَلَى الْإِقَالَةِ؛ لِتَحِلَّ لِبَائِعِهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ فَعَلَ، فَلَمْ يُجِبِ الْمُشْتَرِي إِلَى الِاسْتِقَالَةِ وَلَا الْبَائِعُ إِلَى الْإِقَالَةِ، فَفِيهَا لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَعُودَ إِلَى الْبَائِعِ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي لِيَبِيعَهَا، فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ثَمَنِهَا عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَمَا بَاعَهَا بِهِ مِنْ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ لَزِمَهُ رَدُّهَا، وَمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ ثَمَنِهَا كَانَ حَقًّا لَهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِنَ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الْجَحُودَ يَجْرِي مَجْرَى الرَّدِّ بِالْإِقَالَةِ، فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ إِعَادَتَهَا إِلَى مِلْكِهِ أَظْهَرَ الْإِقَالَةَ، وَحَكَمَ لَهُ بَعْدَ إِظْهَارِهَا، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ إِعَادَتَهَا إِلَى مِلْكِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ، وَكَانَتْ فِي يَدِهِ لِيَسْتَوْفِيَ بِبَيْعِهَا مَالَهُ مِنْ ثَمَنِهَا، وَفِي جَوَازِ تَفَرُّدِهِ بِبَيْعِهَا وَجْهَانِ:

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنَّ الْجُحُودَ يَجْرِي مَجْرَى الْفَلَسِ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَى الثَّمَنِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا قَالَ، قَدِ اخْتَرْتُ عَيْنَ مَالِي بِاسْتِرْجَاعِهَا، وَفِي جَوَازِ تَفَرُّدِهِ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ وَجْهَانِ، ثُمَّ هِيَ حَلَالٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ لِلْمُشْتَرِي يَسْتَوْفِي ثَمَنَهَا مِنْ بَيْعِهَا.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَحْكُمَ بِمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ، فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أضرب:

<<  <  ج: ص:  >  >>