للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا قَالَ لَهَا: إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ الْيَوْمَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، فَلَمْ يُطَلِّقْهَا فِي الْيَوْمِ حَتَّى مَضَى، لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ مُضِيَّ الْيَوْمِ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ بَعْدَ مُضِيِّهِ، لِامْتِنَاعِ صِفَتِهِ.

(فَصْلٌ:)

وَلَوْ قَالَ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ: أَيَّتُكُنَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقِي، فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ ثُمَّ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، طُلِّقْنَ كُلُّهُنَّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، لِأَنَّ طَلَاقَهُ لِلْوَاحِدَةِ مُوقِعٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَلْقَةً وَاحِدَةً، وَوُقُوعُ هَذِهِ الْوَاحِدَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، مُوقِعٌ لِلطَّلَاقِ عَلَى صَوَاحِبِهَا وَهِيَ ثَلَاثٌ كل واحدة ثلاث.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا قَدِمَ فُلَانٌ فَقُدِمَ بِهِ مَيِّتًا أَوْ مُكْرَهًا لَمْ تُطَلَّقْ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا قَالَ لَهَا: إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَلَا يَخْلُو قُدُومُ زَيْدٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَقْدَمَ بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا لِلْقُدُومِ، عَالِمًا لِلْيَمِينِ، فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ، سَوَاءٌ قَدِمَ مِنْ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، يَقْصُرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ، أَوْ مِنْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ لَا يَقْصُرُ فِي مِثْلِهَا الصَّلَاةُ، لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ قَادِمٌ وَسَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا، لِأَنَّهُ فَعَلَ الْقُدُومَ بِنَفْسِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُقْدَمَ بِزَيْدٍ مَيِّتًا أَوْ مُكْرَهًا مَحْمُولًا، فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ جَعَلَ صِفَةَ الطَّلَاقِ فِعْلَ زَيْدٍ لِلْقُدُومِ، فَإِذَا قُدِمَ بِزَيْدٍ مَيِّتًا أَوْ مُكْرَهًا، فَهُوَ مَفْعُولٌ بِهِ وَلَيْسَ بِفَاعِلٍ، فَلَمْ تُوجَدْ صِفَةُ الطَّلَاقِ فَلَمْ يَقَعْ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا مُخَوَّفًا غير مختاراً، فَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَقَعُ لِوُجُودِ الْقُدُومِ مِنْهُ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَقَعُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ، فَأَشْبَهَ الْمَحْمُولَ، وَهَكَذَا حُكْمُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْأَكْلِ وَالْفِطْرِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقْدَمَ زَيْدٌ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِيَمِينِ الْحَالِفِ، أَوْ عَلِمَ بِهَا، فَقَدِمَ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَكُونَ الْقَصْدُ بِالْيَمِينِ مَنْعَ زيد من القدوم، إما لأن زيد سُلْطَانٌ لَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْقُدُومِ بِيَمِينِ هَذَا الْحَالِفِ، أَوْ يَكُونُ مَجْنُونًا أَوْ صَغِيرًا لَا قصد له، فالطلاق ها هنا وَاقِعٌ بِقُدُومِهِ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ بِصِفَةٍ مَحْضَةٍ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْقَصْدُ، وَقَدْ وُجِدَتْ فَوَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ كَمَا لَوْ قَالَ: إِذَا دَخَلَ الْحِمَارُ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ طَارَ الْغُرَابُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَ الْحِمَارُ وَطَارَ الْغُرَابُ، وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ ذِي قَصْدٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>