للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّالِثُ: فِي صِفَةِ الْمُكْرَهِ، فَأَمَّا الْمُكْرِهُ، فَهُوَ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ ثَلَاثَةٌ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَاهِرًا، وَالْقَاهِرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَامَّ الْقُدْرَةِ كَالسُّلْطَانِ والْمُنقَلِبِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَاصَّ الْقُدْرَةِ كَالْمُتَلَصِّصِ، وَالسَّيِّدِ مَعَ عَبْدِهِ، وَكِلَاهُمَا مَكْرِهٌ، وَهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ، إِذَا كَانَتْ قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ نَافِذَةً عَلَى الْمُكْرَهِ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَغْلِبَ فِي النَّفْسِ بِالْأَمَارَاتِ الظَّاهِرَةِ أَنَّهُ سَيَفْعَلُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ مِنْ إِصَابَتِهِ مَا يَتَوَعَّدُهُ بِهِ وَتَهَدَّدَهُ، فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى النَّفْسِ، جَازَ أَنْ يَفْعَلَ وَلَا يَفْعَلَ فَلَيْسَ بِمَكْرِهٍ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَكْرِهًا بِظُلْمٍ، فَأَمَّا إِنْ أَكْرَهْ بِغَيْرِ ظُلْمٍ كَإِكْرَاهِ الْمُولِي عَلَى الطَّلَاقِ فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى أَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ، فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُكْرِهِ، وَمَا أَكْرَهَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ، وَكَالنَّاذِرِ عِتْقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، إِذَا امْتَنَعَ مِنْ عِتْقِهِ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَقَدْ عَتَقَه لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بِهِ حَقٌّ وَاجِبٌ وَهُوَ بِامْتِنَاعِهِ مِنْهُ طَوْعًا ظَالِمٌ آثِمٌ، فَإِذَا تَكَامَلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فِي المكره صار مكرها.

[(فصل:)]

وأما الأكراه بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ وَالْأَذَى الْبَيِّنِ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: الْقَتْلُ، وَهُوَ أَعْظَمُ مَا يَدْخُلُ بِهِ الضَّرَرُ عَلَى النَّفْسِ، فَإِذَا هَدَرَهُ فِي نَفْسِهِ كَانَ إِكْرَاهًا، فَإِنْ هَدَرَ بِهِ فِي غَيْرِهِ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْغَيْرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ بَيْنَهُمِ بَعْضِيَّةٌ كَالْوَالِدِينَ وَإِنْ عَلَوْا، وَالْمَوْلُودِينَ وَإِنْ سَفَلُوا، فَيَكُونَ التَّهْدِيدُ بِقَتْلِهِمْ إِكْرَاهًا لِأَنَّ الْبَعْضِيَّةَ تَقْتَضِي التَّمَازُجَ فِي الْأَحْكَامِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، إِمَّا أَجْنَبِيًّا أَوْ ذَا نَسَبٍ لَا يَكُونُ مُحَرَّمًا كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَبَنِي الْأَخْوَالِ، فَلَا يَكُونُ تَهْدِيدُهُ بِقَتْلِهِمْ إِكْرَاهًا، لِأَنَّ بَيْنَ جَمِيعِ النَّاسِ تَنَاسُبٌ مِنْ بَعِيدٍ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وبينهما، وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ دُونَ بَنِيهَا وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ دُونَ بَنِيهَا، فَهَلْ يَكُونُ التَّهْدِيدُ بِقَتْلِهِمْ إِكْرَاهًا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ إِكْرَاهًا لِثُبُوتِ الْمُحَرَّمِ كَالْوَالِدَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ إِكْرَاهًا لِعَدَمِ الْبَعْضِيَّةِ كَالْأَبْعَدِينَ، فَهَذَا حُكْمُ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>