للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِهِ: " الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ " فَهُوَ أَنَّ تَطَيُّبَهُ قَبْلَ إِحْرَامِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ عَلَى أَنَّ الشَّعَثَ إِنَّمَا يَزُولُ بِالْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ. وَالْمُحْرِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْمُؤْمِنُ نَظِيفٌ ".

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، فالأمر إنما كان ينزع اللِّبَاسِ وَغَسْلَ أَثَرِ التَّزَعْفُرِ عَنْهُ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُبَاحٌ. لِرِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، نَهَى الرِّجَالَ عَنِ التَّزَعْفُرِ ". وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ التَّطَيُّبِ، أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِغَسْلِ الطِّيبِ عَنْ جَسَدِهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وَإِنْكَارُهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَالْبَرَاءِ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ، أَلَا تَرَاهُ قَالَ حِينَ رَاجَعَهُ مُعَاوِيَةُ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَإِنَّمَا أَنْتُمْ صَحَابَةٌ وَقُدْوَةٌ، فَخَشِيتُ أَنْ يَرَاكُمُ الْجَاهِلُ فَيَقْتَدِيَ بِكُمْ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ طِيبَكُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى أَنَّ عُمَرَ صَحَابِيٌّ، وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ. حَتَّى رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَإِنَّ عَلَى رَأْسِهِ، مِثْلَ الرُّبِّ مِنَ الْغَالِيَةِ؛ فَلَمْ يَكُنْ إِنْكَارُ عُمَرَ مَعَ خِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ حُجَّةً.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى اللِّبَاسِ؛ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ، وَإِنَّمَا يُلْبَسُ لِيُنْزَعَ، فَكَانَتِ الِاسْتِدَامَةُ فِيهِ كَالِابْتِدَاءِ. وَالطِّيبُ يُسْتَعْمَلُ لِلْإِتْلَافِ فَلَمْ تَكُنِ الِاسْتِدَامَةُ كَالِابْتِدَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجِمَاعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ الْإِحْرَامُ مَنَ اسْتِدَامَتِهِ. فَبَاطِلٌ بِالنِّكَاحِ، لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجِمَاعِ، وَلَا يَمْنَعُ الْإِحْرَامُ مِنَ اسْتِدَامَتِهُ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وَالثَّانِي: وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ.

مَسْأَلَةٌ

: قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ لَبَّى ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ يستحب أن يحرم الرجل عقيب صلاة، فإنه كان وقت صلاة مفروضة، صلى (الفرض وإن لم يكن وَقْتُ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ، صَلَّى) رَكْعَتَيْنِ. لِرِوَايَةِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ " النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ببطحائها ثم ركب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>