للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ وَقْفًا كَانَ جَمِيعُهُ مِنَ الْخُمُسِ وَغَيْرِهِ وَقْفًا إِلَّا سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى وَحْدَهُ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَصِيرُ سَهْمُهُمْ مِنْهُ وَقْفًا مَعَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَصِيرُ وقفا إلا عن رضى مِنْهُمْ وَاخْتِيَارٍ لِتَمَلُّكِهِمْ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ إِنَّهُ قَدْ صَارَ وَقْفًا لِأَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوا خُمُسَ الْخُمُسِ مِنْ مَالٍ مَحْكُومٍ لَهُ بِالْوَقْفِ فَلَمْ يُمَيَّزْ حُكْمُ سَهْمِهِمْ مِنْهُ عَنْ حُكْمِ جَمِيعِهِ وَصَارَ مَا مَلَكُوهُ مِنْهُ وَهُوَ اسْتِغْلَالُهُ فِي كُلِّ عَامٍ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَكُونُ وَقْفًا فَإِنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِمَصِيرِهَا فِيهَا وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى وَاقِفٍ يَقِفُهَا.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ: لَا تَصِيرُ وَقْفًا إِلَّا أَنْ يَقِفَهَا الْإِمَامُ لَفْظًا لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَنْزَلَ أَهْلَ السَّوَادِ عَنْهُ وَعَارَضَ مَنْ أَبَى أَنْ يَنْزِلَ عَنْهُ ثُمَّ وَقَفَهُ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ مَا لَا يَتِمُّ وَقْفُهُ إِلَّا بِاللَّفْظِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا رُدَّ إِلَى خِيَارِ الْوَاقِفِ فِي تَمَلُّكِهِ وَوَقْفِهِ وَهَذَا غَيْرُ مَرْدُودٍ إِلَى خِيَارِ الْوَاقِفِ فِي تملكه وَوَقْفِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى لَفْظٍ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ حُكْمٌ قَدْ يَثْبُتُ لِأَرْضِ الْفَيْءِ عِنْدَ انْتِقَالِهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَصَارَتْ بِالِانْتِقَالِ وَقْفًا، وَأَمَّا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَفِي فِعْلِهِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الَّذِي فَعَلَهُ هُوَ أَنْ حَكَمَ بِوَقْفِهَا.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ اسْتَنْزَلَ الْغَانِمِينَ عَنْ مِلْكٍ فَجَازَ أَنْ يَقِفَهُ بِلَفْظٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفَيْءُ، وَاللَّهُ أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا} الْآيَةَ (قَالَ) وَرَوَى الزُّهْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَرَّفَ عَامَ حُنَيْنٍ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ عَرِيفًا (قال) وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للمهاجرين شعارا وللأوس شعارا وللخزرج شعارا (قال) وعقد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الألوية فعقد للقبائل قبيلة فقبيلة حتى جعل في القبيلة ألوية كل لواء لأهله وكل هذا ليتعارف الناس في الحرب وغيرها فتخف المؤنة عليهم باجتماعهم وعلى الوالي كذلك لأن في تفرقهم إذا أريدوا مؤنة عليهم وعلى واليهم فهكذا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَمِيزَ الْجَيْشَ بِمَا يَتَزَيَّنُونَ بِهِ وَيَتَعَارَفُونَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتتعارفوا} [الحجرات: ١٣] وَفِي الشُّعُوبِ وَالْقَبَائِلِ ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: أن الشعوب للنسب الأبعد والقبائل للنسب الْأَقْرَبُ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الشُّعُوبَ عَرَبُ الْيَمَنِ مِنْ قَحْطَانَ وَالْقَبَائِلَ رَبِيعَةُ وَمُضَرُ وَسَائِرُ عَدْنَانَ.

وَالثَّالِثُ: إِنَّ الشُّعُوبَ بُطُونُ الْعَجَمِ وَالْقَبَائِلَ بُطُونُ الْعَرَبِ فَجَعَلَ ذَلِكَ سِمَةً لِلتَّعَارُفِ وَأَصْلُهُ التَّمْيِيزُ وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>