للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِمَا كَانَ مِنْهَا مَضْرُوبًا لَا غِشَّ فِيهِ، فَإِنْ قَارَضَ بِالنِّقَارِ وَالسَّبَائِكِ لَمْ يَجُزْ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة، وَإِنْ قَارَضَ بِالْوَرِقِ الْمَغْشُوشِ لَمْ يَجُزْ.

وَقَالَ أبو حنيفة يَجُوزُ إِذَا كَانَ أَكْثَرُهَا فِضَّةً اعْتِبَارًا بِحُكْمِ الْأَغْلَبِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ غِشَّ الْفِضَّةِ بِالنُّحَاسِ لَوْ تَمَيَّزَ عَنْهَا لَمْ يَجُزْ بِهِ الْقِرَاضُ، فَإِذَا خَالَطَهَا لَمْ يَجُزْ بِهِ الْقِرَاضُ كَالْحَرَامِ، وَلِأَنَّ مَا لَمْ تَخْلُصْ فِضَّتُهُ لَمْ تَجُزْ مُفَاوَضَتُهُ كَالْكَثِيرِ الْغِشِّ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقِرَاضَ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِضُرُوبِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْخَالِصَةِ مِنْ غِشٍّ فإن قيل فَمِنْ شَرْطِهِمَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ عِنْدَ عَقْدِ الْقِرَاضِ بِهَا، فَإِنْ تَقَارَضَا عَلَى مَالٍ لَا يَعْلَمَانِ قَدْرَهُ كَانَ الْقِرَاضُ بَاطِلًا لِلْجَهْلِ بِمَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَا قَدْرَهُ وَجَهِلَا صِفَتَهُ بَطَلَ الْقِرَاضُ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَةِ كَالْجَهْلِ بِالْقَدْرِ فِي بُطْلَانِ الْعَقْدِ.

فَلَوْ عُقِدَ الْقِرَاضُ عَلَى أَلْفٍ مِنْ أَنْوَاعٍ شَتَّى فَإِنْ عَلِمَا كُلَّ نَوْعٍ مِنْهَا صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ جَهِلَاهُ بَطَلَ، فَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَلْفَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ يُقَارِضَ بِأَيِّ الْأَلْفَيْنِ شَاءَ وَيَسْتَوْدِعَ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ لِلْجَهْلِ بِالْقِرَاضِ هَلْ عُقِدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِينَارٍ؟

فَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ كِيسَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْأَلْفَيْنِ قِرَاضًا، وَالْأُخْرَى وَدِيعَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَيَكُونُ قِرَاضًا صَحِيحًا لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ مَعْلُومَةٍ لِتَسَاوِي الْأَلْفَيْنِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِلْجَهْلِ بِمَالِ الْقِرَاضِ مِنْ مَالِ الْوَدِيعَةِ، وَلَكِنْ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَلْفًا وَأَلْفًا عَلَى أَنَّ لَهُ مِنْ رِبْحِ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ النِّصْفَ، وَمِنْ رِبْحِ الْآخَرِ الثُّلُثَ، فَإِنْ عَيَّنَ الْأَلْفَ الَّتِي شَرَطَ لَهُ نِصْفَ رِبْحِهَا مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي شَرَطَ لَهُ ثُلُثَ رِبْحِهَا جَازَ وكانا عقدين، وإن لم يعين له يَجُزْ لِلْجَهْلِ بِمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ.

فَصْلٌ

: وَلَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ مَالُ الْقِرَاضِ دَرَاهِمَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِدَنَانِيرَ، وَلَا إِذَا كَانَ دَنَانِيرَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بِغَيْرِ مَالِ الْقِرَاضِ خَارِجٌ عَنِ الْقِرَاضِ، وَيَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْعَامِلِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ إِذَا كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ وَكَانَ الشِّرَاءُ بِالدَّنَانِيرِ أَوْفَقَ أَنْ يَبِيعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ ثُمَّ يَشْتَرِيَ حِينَئِذٍ بِالدَّنَانِيرِ، وَهَكَذَا إِذَا كَانَ مَالُ الْقِرَاضِ دَنَانِيرَ وَكَانَ الشِّرَاءُ بِالدَّرَاهِمِ أَوْفَقَ بَاعَ الدَّنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ يَشْتَرِي بِالدَّرَاهِمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ فِي يَدِ رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَارَضَهُ عَلَيْهَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ قَدْرَهَا وَصِفَتَهَا جَازَ، وَلَوْ كَانَا يَجْهَلَانِ الْقَدْرَ أَوِ الصِّفَةَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ قَالَ لَهُ قَدْ قَارَضْتُكَ عَلَى أَلْفٍ مِنْ دَيْنِيِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ فَاقْبِضْهَا مِنْهُ قِرَاضًا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ قِرَاضٌ عَلَى مَالٍ غائب، فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>