للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ شَرَائِطِ الْجُمْعَةِ، فَوَجَبَ إِذَا اخْتَصَّ بِهَا الْإِمَامُ أَنْ لَا يَنْفَرِدَ بِهَا عَنِ الْعَدَدِ كَالْقِرَاءَةِ، وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ خَالَفَتِ الْأَذَانَ، لِأَنَّهُ إِعْلَامٌ، فَجَازَ تَقَدُّمُهُ قَبْلَ حُضُورِ الْعَدَدِ، لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِهِ، وَالْخُطْبَةُ عِظَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَقَدُّمُهَا قَبْلَ حُضُورِ الْعَدَدِ، لِعَدَمِ الِاتِّعَاظِ بِهَا:

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا وَضَحَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ، فَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ: أن يخطب بهم وهم أربعون فصاعد، ثُمَّ يَنْفَضُّوا عَنْهُ، لِعَارِضٍ مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَلَهُمْ حَالَانِ: حَالٌ: يَعُودُونَ بَعْدَ انْفِضَاضِهِمْ.

وَحَالٌ: لَا يَعُودُونَ، فَإِنْ لَمْ يَعُودُوا صَلَّى الْإِمَامُ ظُهْرًا أَرْبَعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ عَادَ مِنْهُمْ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعِينَ صَلَّى بِهِمْ ظُهْرًا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمُ الْجُمْعَةَ، لِأَنَّ الْجُمْعَةَ لَا يَصِحُّ انْعِقَادُهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ، وَإِنْ عَادُوا جَمِيعًا، أَوْ عَادَ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، فَلَهُمْ حَالَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعُودُوا بَعْدَ زَمَانٍ قَرِيبٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَعُودُوا بَعْدَ زَمَانٍ بَعِيدٍ.

فَإِنْ قَرُبَ زَمَانُ عَوْدَتِهِمْ: بَنَى عَلَى مَا مَضَى، وَصَلَّى بِهِمْ جُمْعَةً، وَلَمْ يَكُنِ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ مَانِعًا مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد أوقع في خطبته فصل يسير فَإِنَّهُ كَلَّمَ سُلَيْكًا وَقَتَلَةَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ.

ثُمَّ بَنَى، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْفَصْلِ الْيَسِيرِ حُكْمًا، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنِ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ فِي الصَّلَاةِ مَانِعًا مِنَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا، كَانَ فِي الْخُطْبَةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا.

فَأَمَّا إِنْ بَعُدَ زَمَانُ عَوْدَتِهِمْ، اعْتُبِرَتْ مَا مَضَى مِنْ وَاجِبَاتِ الْخُطْبَةِ، فَلَا يخلو من أمرين: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ مَضَى جَمِيعُ الْوَاجِبَاتِ، أَوْ قَدْ مَضَى بَعْضُهَا، وَبَقِيَ بَعْضُهَا. فَإِنْ مَضَى بَعْضُ وَاجِبَاتِهَا: فَغَرَضُ الْخُطْبَةِ بَاقٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا مَضَى، لِأَنَّ بُعْدَ الزَّمَانِ قَدْ أَبْطَلَهُ كَالصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ خُطْبَتَيْنِ، وَيُصَلِّيَ الْجُمْعَةَ رَكْعَتَيْنِ، إِذَا كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا، لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذْهَبُ وَإِنْ مَضَى جَمِيعُ وَاجِبَاتِهَا: فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُطْبَةَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّى بِهِمْ ظُهْرًا أَرْبَعًا.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ أَصَحُّهَا وَأَوْلَاهَا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَيَخْطُبُ اسْتِحْبَابًا لَا وَاجِبًا، لِأَنَّ فَرْضَ الْخُطْبَةِ قَدْ أَقَامَهُ مَرَّةً، فَلَمْ يَلْزَمْهُ إِقَامَتُهُ ثَانِيَةً، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يَخْطُبْ صَلَّاهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا، لِأَنَّ الْخُطْبَةَ شَرْطٌ فِي إِقَامَةِ الْجُمْعَةِ فَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَةِ لِإِتْيَانِهِ بِهَا، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْخُطْبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِبُعْدِ زَمَانِهَا، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَإِنِ اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمْعَةَ رَكْعَتَيْنِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا أَرْبَعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>