للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا التَّأْبِيرُ فَهُوَ التَّلْقِيحُ وَالتَّلْقِيحُ هُوَ أَنْ يُشَقَّقَ طَلْعُ الْإِنَاثِ وَيُوضَعَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ الْفُحُولِ لِيَشْتَدَّ بِرَائِحَتِهِ وَيَقْوَى فَلَا يَلْحَقُهُ الْفَسَادُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَصَحَّتْ فِيهِ التَّجْرِبَةُ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ رَأَى الْأَنْصَارَ يُؤَبِّرُونَ النَّخْلَ، فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرُوهُ بِهِ، فَقَالَ لَوْ تَرَكُوهَا لَصَلُحَتْ، فَتَرَكُوهَا فَتَغَيَّرَتْ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَإِلَيْكُمْ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ فَإِلَيَّ ".

فَلَوْ تَشَقَّقَ طَلْعُ الْإِنَاثِ وَلَمْ يُلَقَّحْ بِطَلْعِ الْفُحُولِ صَحَّ التَّأْبِيرُ وَخَرَجَتْ مِنَ الْعَقْدِ لِأَنَّ التَّلْقِيحَ رُبَّمَا تُرِكَ فَصَلُحَتِ الثَّمَرَةُ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَنْوَاعِ النَّخْلِ مَا يَكُونُ تَرْكُ تَلْقِيحِهِ أَصْلَحَ لثمرته. فلو لم يتشقق لطلع بِنَفْسِهِ لَكِنْ شَقَّقَهُ أَرْبَابُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الْإِدْرَاكِ وَزَمَانِ الْحَاجَةِ كَانَ تَأْبِيرًا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَفِي غَيْرِ زَمَانِ الحاجة لم يكن تأبيرا.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ كَانَ فِيهَا فُحُولُ نَخْلٍ بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ الْإِنَاثُ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ وَهِيَ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ فِي الْبَيْعِ فِي مَعْنَى مَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ مِنْ أَنَّ كُلَّ ذَاتِ حَمْلٍ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِنَ الْبَهَائِمِ بِيعَتْ فَحَمْلُهَا تَبَعٌ لَهَا كَعُضْوٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُزَايِلْهَا فَإِنْ بِيعَتْ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ فَالْوَلَدُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ طَلْعَ الْفُحُولِ إِذَا تَشَقَّقَ كَانَ مُؤَبَّرًا وَقَبْلَ تَشَقُّقِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ مُؤَبَّرًا كَطَلْعِ الْإِنَاثِ.

وَالثَّانِي: يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمُؤَبَّرِ لِأَنَّهُ يُوجَدُ فِي الْغَالِبِ طَلْعًا.

فَإِذَا تَبَايَعَا نَخْلًا فِيهَا فُحُولٌ وَإِنَاثٌ فَإِنْ أَبَّرَ طَلْعَ الْإِنَاثِ كَانَ طَلْعُ الْفُحُولِ تَبَعًا لها سَوَاءٌ تَشَقَّقَ أَوْ لَمَ يَتَشَقَّقْ.

وَلَوْ أَبَّرَ طَلْعَ الْفُحُولِ إِمَّا بِالتَّشَقُّقِ أَوْ بِظُهُورِ الطَّلْعِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يُؤَبَّرْ شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ الْإِنَاثِ فَهَلْ يَصِيرُ طَلْعُ الْإِنَاثِ تَبَعًا لَهُ فِي التَّأْبِيرِ حَتَّى يُحْكَمَ بِجَمِيعِهِ لِلْبَائِعِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ طَلْعُ الْإِنَاثِ تَبَعًا لِطَلْعِ الْفُحُولِ فِي التَّأْبِيرِ كَمَا صَارَ طَلْعُ الْفُحُولِ تَبَعًا لِطَلْعِ الْإِنَاثِ فِي التَّأْبِيرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ أَصَحُّ: أَنَّ طَلْعَ الْإِنَاثِ لَا يَتْبَعُ طَلْعَ الْفُحُولِ وَإِنْ كَانَ طَلْعُ الْفُحُولِ يَتْبَعُ طَلْعَ الْإِنَاثِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مَقْصُودَ الثِّمَارِ هُوَ طَلْعُ الْإِنَاثِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بُسْرًا وَرَطْبًا وَتَمْرًا وَطَلْعُ الْفُحُولِ تَبَعٌ لَهُ لِأَنَّهُ مُرَادٌ لِتَلْقِيحِهِ وَلَيْسَ يُقْصَدُ فِي نَفْسِهِ فَلِذَلِكَ صَارَ طَلْعُ الْفُحُولِ تَبَعًا لِطَلْعِ الْإِنَاثِ، فِي التَّأْبِيرِ وَلَمْ يَصِرْ طَلْعُ الْإِنَاثِ تَبَعًا لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>