للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ قِصَاصًا لِلْأَوَّلِ، وَقُتِلَ قَوَدًا لِلثَّانِي ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سِرَايَةِ يَدِهِ، صَارَ الْقَطْعُ قَتْلًا وَقَدْ فَاتَ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ بِالْقَوَدِ الثَّانِي فَوَجَبَ لِلْمَقْطُوعِ دِيَةُ نَفْسِهِ بِسِرَايَةِ الْقَطْعِ إِلَيْهَا، وَقَدْ أَخَذَ بِالِاقْتِصَاصِ مِنْ يَدِهِ مَا يُقَابِلُ نِصْفَ دِيَةِ نَفْسِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَرْجِعَ وَلِيُّهُ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي بِنِصْفِهَا لِيَصِيرَ مُسْتَوْفِيًا بِالْقَطْعِ وَالْأَخْذِ بِمَا يُقَابِلُ جَمِيعَ دِيَةِ النَّفْسِ، وَلَوْ كَانَ الْجَانِي قَطَعَ مِنَ الأَوَّلِ إِحْدَى أَصَابِعِهِ وَقَتَلَ آخَرَ فَاقْتُصَّ لِلْأَوَّلِ مِنْ أُصْبُعهِ، وَقُتِلَ لِلثَّانِي ثُمَّ مَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سِرَايَةِ أصْبعهِ كَانَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَرْجِعَ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي تِسْعَةَ أَعْشَارِ دينه لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى بِقَطْعِ الْأصبع عُشْرَهَا، فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ الدِّيَةِ وَلَوْ كَانَ الْجَانِي قَطَعَ يَدَيْ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ فَقُطِعَتْ يَدَاهُ لِلْأولَ وَقُتِلَ لِلثَّانِي ثُمَّ سَرَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ إِلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ لِوَلِيِّهِ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى بِقَطْعِ الْيَدِ كَمَالَ الدِّيَةِ، لِأَنَّ فِي الْيَدَيْنِ جَمِيعَ الدِّيَةِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا قَطَعَ إِحْدَى يَدَيْ رَجُلٍ فَاقْتُصَّ مِنْهَا ثُمَّ سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ كَانَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ نَفْسِ الْقَاطِعِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ صَارَ قَتْلًا، فَإِنْ عَفَا عَنِ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ إِلَى الدِّيَةِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى بِقَطْعِ الْيَدِ مَا يُقَابِلُ نِصْفَ الدِّيَةِ، فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا لِجَمِيعِ الدِّيَةِ، وَلَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ، أَخَذَ دِيَةَ يَدِهِ وَلَمْ يَقْتَصَّ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إِلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ سَقَطَ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ، لِأَنَّ عُدُولَهُ إِلَى دِيَةِ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنِ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ، وَلَوْ قَطَعَ يَد رَجُلٍ فَاقْتُصَّ مِنْهُمَا ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إِلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ، كَانَ لِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، فَإِنْ عَفَا إِلَى الدِّيَةِ لَمْ يستحقها، لأنه يقطع الْيَدَيْنِ قَدِ اسْتَوْفَاهُمَا، وَهَذَا مَوْضِعٌ يَجِبُ فِيهِ الْقَوَدُ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ، وَهُوَ نَادِرٌ.

وَلَوْ كَانَ الْمَقْطُوعُ أَخَذَ دِيَةَ يَدِهِ ثُمَّ سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ، لِسُقُوطِ الْقَوَدِ بِدِيَةِ الْقَطْعِ وَاسْتِيفَاءِ دِيَةِ النَّفْسِ بِدِيَةِ الْيَدَيْنِ.

(فَصْلٌ)

وَلَوْ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيْ رَجُلٍ فَأَخَذَ الْمَقْطُوعُ دِيَتَهَا نِصْفَ الدِّيَةِ ثُمَّ عَادَ الْجَانِي إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ قَبْلَ انْدِمَالِ يَدِهِ فَفِيمَا يَلْزَمُهُ بِقَتْلِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهُمَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ، لِأَخْذِهِ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي قَطْعِ الْيَدِ، وَيَرْجِعُ وَلَيُّهُ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَهُوَ الْبَاقِي مِنْ دِيَةِ النَّفْسِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ، فَإِنْ عَفَا عَنْهُ فَعَلَيْهِ جَمِيعُ دِيَةِ النَّفْسِ وَجَعَلَ جِنَايَةَ الْوَاحِدِ كَجِنَايَةِ الِاثْنَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ، وَلَا يَلْزَمُهُ إِنْ عَفَا عَنِ الْقَوَدِ إِلَّا نِصْفُ الدِّيَةِ، لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَكُونُ تَبَعًا لِلْأَعْضَاءِ فَلَمْ يُوجِبْ

<<  <  ج: ص:  >  >>