للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ يُسْتَدَلُّ بِالْأَمْرِ الْمُشَاهَدِ عَلَى مَا لَيْسَ بُمَشَاهَدٍ، فَيَصِيرُ الْكُلُّ فِي حُكْمِ الْمَعْلُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْغَائِبُ الَّذِي لَمْ يشاهد شَيْئًا مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرُّؤْيَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

رُؤْيَةٌ لَا تَلْحَقُ فِيهَا الْمَشَقَّة وَهِيَ رُؤْيَةُ الْجُمْلَةِ دُونَ [جَمِيعِ] الْأَجْزَاءِ، وَرُؤْيَةٌ تَلْحَقُ فِيهَا الْمَشَقَّة وَهِيَ رُؤْيَةُ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ كَالْعُيُوبِ الْخَفِيَّةِ وَالْمَأْكُولَاتِ الَّتِي فِي قُشُورِهَا.

فَالرُّؤْيَةُ الَّتِي تَجِبُ وَتَكُونُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، هِيَ رُؤْيَةُ الْجُمْلَةِ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهَا [دُونَ رُؤْيَةِ جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ لِوُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِيهَا] .

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ شَرْطًا كَالصِّفَةِ، لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ رُؤْيَةُ الْجَمِيعِ شَرْطًا كَالصِّفَةِ:

فَهُوَ أَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ قَدْ أُقِيمَتْ فِي الشَّرْعِ مَقَامَ رُؤْيَةِ الْكُلِّ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَا لَمْ يُشَاهَدْ مِنْهُ لَا خِيَارَ فِيهِ إِذَا شُوهِدَ إِلَّا بِوُجُودِ عَيْبٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَالْمُشَاهَدِ، لَثَبَتَ فِيهِ الْخِيَارُ كَالْغَائِبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصِّفَةُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْبَعْضِ لَمْ يجرِ عَلَيْهَا فِي الشَّرْعِ حُكْمُ صِفَةِ الْكُلِّ، فَافْتَرَقَا مِنْ حَيْثُ ظُنَّ أَنَّهُمَا قَدِ اجْتَمَعَا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَتِ الرُّؤْيَةُ شَرْطًا، لَكَانَ وُجُودُهَا حَالَ الْعَقْدِ شَرْطًا كَالصِّفَةِ فِي السَّلَمِ.

فَهُوَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَبْلَ الْعَقْدِ تَجْعَلُ الْمَبِيعَ مَعْلُومًا فِي حَالِ الْعَقْدِ، وَالصِّفَةُ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا تَجْعَلُ الْمُسَلَّمَ فِيهِ مَعْلُومًا فِي حَالِ الْعَقْدِ، فَلِذَلِكَ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ مَعَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ مَعَ الْعَقْدِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ بَاطِلٌ إِذَا لَمْ تُوصَفْ، فَفِي جَوَازِ بَيْعِهَا إِذَا وُصِفَتْ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ: فِي الْقَدِيمِ، وَالْإِمْلَاءِ، وَالصُّلْحِ، وَالصَّدَاقِ، وَالصَّرْفِ، وَالْمُزَارِعَةِ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَظْهَرُهُمَا:

نَصَّ عَلَيْهِ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ: فِي الرِّسَالَةِ، وَالسُّنَنِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ، وَالصَّرْفِ فِي بَابِ الْعُرُوضِ.

وَبِهِ قَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَالرَّبِيعِ، والبويطي.

<<  <  ج: ص:  >  >>