للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْهَوَاءِ. وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ مُمْتَدٌّ بَعْدَ الْمَجْلِسِ غَيْرُ مَوْضُوعٍ لِاسْتِدْرَاكِ الْغَبْنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ صِحَّةَ الْعَقْدِ، أَصْلُهُ إِذَا اشْتَرَطَ خِيَارًا مُطْلَقًا.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ: إِنْ سُلِّمَ أَنَّهَا عَامَّةٌ فَخَصَّصَهَا بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ:

فَقَدْ قَالَ الْحُفَّاظُ مِنْ حَمَلَةِ الْآثَارِ وَالْجَهَابِذَةُ مِنْ نَقَلَةِ الْأَخْبَارِ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْأَهْوَازِيَّ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بِاخْتِرَاعِ الْأَحَادِيثِ وَوَضْعِهَا، وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ مَنْزِلَتَهُ، فَغَيْرُ مُلْتَفَتٍ إِلَى رِوَايَتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ، لَأَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: " مَنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ " فِي الِاسْتِئْنَافِ لِلْعَقْدِ عَلَيْهِ، لَا فِي اسْتِصْحَابِ الْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّلَمِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ نَاقِصًا عَنِ الصِّفَةِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فِي حَالِ الْعَقْدِ إِذَا كَانَ قَدْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا وَجَدَهُ نَاقِصًا فِيمَا بَعْدُ.

أَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ: فَقَدْ خَالَفَ فِيهِ عُمَرَ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعًا يُحْتَجُّ بِهِ، أَوْ دَلَالَةً تَلْزَمُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عُمَرُ مُخَالِفًا، لَكَانَ قَوْلُ خَمْسَةٍ لَا يُعْلَمُ انْتِشَارُهُ فِي جَمِيعِهِمْ، وَالْقِيَاسُ يُخَالِفُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْجَمْعِ، وَهُوَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِدْرَاكِ الصِّفَةِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ فِي النِّكَاحِ صِفَةَ الْمَنْكُوحَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ فِيهِ الْوَصْلَةَ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ وَجَدَهَا مَعِيبَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْجَهْلُ بِصِفَاتِهَا مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَصِفَاتُ الْمَبِيعِ مَقْصُودَةٌ فِي الْبَيْعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْجَهْلُ بِصِفَاتِهِ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ.

عَلَى أَنَّ أبا حنيفة قَدْ فَرَّقَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ فِي الرُّؤْيَةِ، فَقَالَ: عَقْدُ النِّكَاحِ لَازِمٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، وَعَقْدُ الْبَيْعِ فِي الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ لَا يَلْزَمُ إِلَّا بِالرُّؤْيَةِ.

فَيُقَالَ لَهُ: لَمَّا كَانَتِ الرُّؤْيَةُ شَرْطًا فِي لُزُومِ الْبَيْعِ، كَانَتْ شَرْطًا فِي انْعِقَادِهِ، وَلَمَّا لَمْ تَكُنِ الرُّؤْيَةُ شَرْطًا فِي لُزُومِ النِّكَاحِ، لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي انْعِقَادِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ فَقْدَ الرُّؤْيَةِ يُوقِعُ الْجَهْلَ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ، وَالْجَهْلُ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ، يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ كَالْمَعِيبِ وَالْمَسْتُورِ بِقِشْرِهِ. فَهُوَ أَنَّ الْمَعِيبَ وَالْمَسْتُورَ بِقِشْرِهِ قَدْ جُهِلَ بَعْضُ صِفَاتِهِ، وَالْغَائِبُ قَدْ جَهِلَ جَمِيعَ صِفَاتِهِ، وَالْجَهْلُ بِبَعْضِ الصِّفَاتِ لَا يُسَاوِي حُكْمَ الْجَهْلِ بِجَمِيعِهَا، لِأَمْرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>