للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يُنَادِيَ عَلَى نَفْسِهِ أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ فَمِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُقَدِّمُ بِهِ عَلَى الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْإِقَامَةَ، لِأَنَّهَا تُسَمَّى أَذَانًا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ أَخَّرَ الْأَذَانَ حَتَّى صَارَ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْوَقْتِ الْمُعْتَادِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: " أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ "، وَالنَّوْمُ يَقْتَضِي التَّأْخِيرَ لَا التَّقْدِيمَ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، فَالْمَعْنَى فِيهَا تَأَهُّبُ النَّاسِ لَهَا عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا لِاسْتِيفَاءِ الظُّهْرِ وَالصُّبْحِ يَدْخُلُ وَقْتُهُمَا وَلَمْ يَتَأَهَّبِ النَّاسُ لَهَا لِتَنَوُّمِهِمْ فَافْتَرَقَتِ الصُّبْحُ مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ وَقْتُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ الْأَذَانِ إِلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: فَالشَّافِعِيُّ حِينَ جَوَّزَ تَقْدِيمَ الْأَذَانِ لَهَا قَبْلَ الْفَجْرِ قَالَ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقِيَاسٍ، وَأَنْتُمْ قَدْ جَوَّزْتُمْ ذَلِكَ قِيَاسًا فَفِيهِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الْأَصْلُ فِي تَقْدِيمِ الْأَذَانِ الْقِيَاسَ، وَلَكِنِ السُّنَّةَ ثُمَّ كَانَ الْقِيَاسُ تَبَعًا وَمُؤَكِّدًا، لِأَنَّ مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ لَا يُقَالُ إِنَّهُ حُكْمٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ وَلَيْسَ ذَاكَ بِقِيَاسٍ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ كان قياسا على غيرها لمنع ذَاكَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ لِغَيْرِ الصُّبْحِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَذَانِ لَهَا جَائِزٌ فَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهَا أَذَانَيْنِ أَذَانٌ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَذَانٌ بَعْدَهُ ثُمَّ يُقَامُ لَهَا عِنْدَ تَصَوُّرِ فِعْلِهَا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ " إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ "، وَلَا يَحْمِلُ أَذَانُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْإِقَامَةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ ".

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشافعي: " ثُمَّ لَا يَزَالُ وَقْتُ الصُّبْحِ قَائِمًا بَعْدَ الْفَجْرِ مَا لَمْ يُسْفِرْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا أَوَّلُ وَقْتِ الصُّبْحِ فَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَالْفَجْرُ هُوَ ابْتِدَاءُ تَنَفُّسِ الصُّبْحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ} [التكوير: ١٨] وَقَالَ الشَّاعِرُ:

(حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ لَهَا تَنَفَّسَا ... وَانْجَابَ عَنْهَا لَيْلُهَا وعسعسا)

<<  <  ج: ص:  >  >>