لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّخْلِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ خَوْفِ الِاخْتِلَافِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَأَنَّهُ رُبَّمَا اتَّفَقَ تَأْبِيرُ الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاخْتَلَفَ تَأْبِيرُ النَّوْعِ الْوَاحِدِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا جَرَى عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ حُكْمُ التَّأْبِيرِ وَجَعَلَ الثَّمَرَةَ لِلْبَائِعِ خَارِجَةً مِنَ الْبَيْعِ فَأَطْلَعَتِ النَّخْلَةُ بَعْدَ ذَلِكَ طَلْعًا مُسْتَحْدَثًا نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ مِنْ طَلْعِ الْعَامِ الْمَاضِي تَأَخَّرَ ثُمَّ أَطْلَعَ بَعْدَ تَأْبِيرِ مَا تَقَدَّمَ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لِحُدُوثِهِ عَلَى مِلْكِهِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ تَبَعًا لِمَا قَدْ أَبَّرَ خَوْفًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَطْلَعْ تَبَعًا لِمَا قَدْ أَطْلَعَ خَوْفًا أَيْضًا مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ. وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ يَصِحُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَيَلْزَمُ فِيهِ الشَّرْطُ فَجَازَ أَنْ يَصِيرَ تَبَعًا لِمَا قَدْ أُبِّرَ فِي الْعَقْدِ.
وَمَا لَمْ يَطْلَعْ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَا يَلْزَمْ فِيهِ الشَّرْطُ، فَلَمْ يَصِرْ تَبَعًا لِمَا قَدِ اسْتَثْنَاهُ الْعَقْدُ، وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ تَعْلِيلًا صَحِيحًا لِجَازَ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنَ الثِّمَارِ تَبَعًا لِمَا قَدْ خُلِقَ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يبدو صَلَاحُهُ تَبَعًا لِمَا بَدَا صَلَاحُهُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا من ذلك دليل الكيل عَلَى وَهَاءِ قَوْلِهِ وَفَسَادِ تَعْلِيلِهِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا كَانَ لَهُ حَائِطَانِ مُحْرَزَانِ فَبَاعَهُمَا وَقَدْ أُبَّرَتْ ثَمَرَةُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ تُؤَبَّرْ ثَمَرَةُ الْآخَرِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَائِطَيْنِ حُكْمُ نَفْسِهِ لِامْتِيَازِهِمَا وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ الْمُؤَبَّرَةُ لِلْبَائِعِ وَثَمَرَةُ الْحَائِطِ الَّذِي لَمَّ يُؤَبَّرْ لِلْمُشْتَرِي.
وَلَوْ كَانَ حَائِطًا وَاحِدًا فَأُبِّرَتْ ثَمَرَةُ مُقَدَّمِهِ وَلَمْ تُؤَبَّرْ ثَمَرَةُ مُؤَخَّرِهِ فَإِنْ بَاعَ جَمِيعَ الْحَائِطِ كَانَ كُلُّ الثَّمَرَةِ فِي حُكْمِ الْمُؤَبَّرَةِ، وَإِنْ أَفْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى إِحْدَى الْحِصَّتَيْنِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مُقَدَّمِ الْحَائِطِ الَّذِي قَدْ أَبَّرَ فَثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مُؤَخَّرِ الْحَائِطِ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لِلْبَائِعِ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَائِطَ وَاحِدٌ وَتَأْبِيرُ بَعْضِهِ تَأْبِيرٌ لِجَمِيعِهِ فَيَصِيرُ الْمُؤَخَّرُ الَّذِي لَمْ يُؤَبَّرْ فِي حُكْمِ الْمُقَدَّمِ الَّذِي قَدْ أُبِّرَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ إِفْرَادَ الْمُؤَخَّرِ بِالْعَقْدِ يَجْعَلُهُ فِي حُكْمِ الْحَائِطِ الْمُحْرَزِ فَلَا يَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِي التأبير. والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ تَشَقَّقَ طَلْعُ إِنَاثِهِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا أُبِّرَ كُلُّهُ ".