وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ قَتْلُ آدَمِيٍّ مَضْمُونٌ فَوَجَبَ أَنْ تُسْتَحَقَّ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْخَطَأِ وَلِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ وَجَبَتْ بِقَتْلِ الْخَطَأِ وَجَبَتْ بِقَتْلِ الْعَمْدِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِذَا وَجَبَتْ عَلَى الْخَاطِئِ مَعَ عَدَمِ الْمَأْثَمِ كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى العامد مع المأثم حق كما قال تعالى: {فمن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥] فَلَمَّا أُوجِبَ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُفْطِرِ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ كَانَ وُجُوبُهُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ أَحَقَّ ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) .
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: الْقَتْلُ كَفَّارَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ إِنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى وُجُوبِهَا لَا تَسْقُطُ بِالْقَوَدِ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ تَسْقُطْ بِتَأْدِيَةِ حَقِّ الْآدَمِيِّ كَمَا لَمْ تَسْقُطْ بِأَدَاءِ الدِّيَةِ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا اشْتَرَكَتِ الْجَمَاعَةُ فِي قَتْلِ نَفْسٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِنَّهُمْ يَشْتَرِكُونَ فِي الدِّيَةِ، فَلَا يَلْزَمُهُمْ إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَا يَشْتَرِكُونَ فِي الْكَفَّارَةِ وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ فَإِنْ قِيلَ فَهَلَّا اشْتَرَكُوا فِي الْكَفَّارَةِ كَمَا اشْتَرَكُوا فِي الدِّيَةِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِكُمْ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
قِيلَ: الْحَاكِي لَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ غالطاً، لَمْ يُعْرَفْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِهِ وَلَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَنُصُوصُهُ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ بِخِلَافِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّ الدِّيَةَ تَتَبَعَّضُ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِيهَا، وَالْكَفَّارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ، فَلَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاكُهُمْ فِيهَا.
وَالثَّانِي: إِنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ مِنَ النَّفْسِ، وَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَلْزَمْ فِيهَا إِلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْكَفَّارَةُ لِتَكْفِيرِ الْقَتْلِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ فَلَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفَّارَةٌ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ دَلِيلٌ عَلَى عُثْمَانَ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ وُجُودُ الْكَفَّارَةِ عَلَى كُلِّ قَاتِلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ فِي كُلِّ مَقْتُولٍ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا عَلَى الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ.
فَقَالَ: {وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: ٩٢] فَقَدَّمَ عِتْقَ الرَّقَبَةِ، وَشَرَطَ فِيهَا الْإِيمَانَ فَلَا يُجْزِئُ إِلَّا عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا، لِأَنَّهُ شَرَطَ إِيمَانَهَا فِي عِتْقِهَا عَنْ قَتْلِ الْكَافِرِ فَكَانَ إِيمَانُهَا فِي عِتْقِهَا عَنْ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ أَوْلَى. فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الرَّقَبَةَ فَاضِلَةً عَنْ كِفَايَتِهِ عَلَى الْأَبَدِ سَقَطَ عَنْهُ التَّكْفِيرُ بِالْعِتْقِ، وَكَفَّرَ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الصِّيَامِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: