للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخَامِسُ: مَا لَمْ يَجِبْ بِعَقْدٍ وَلَا شَرْطٍ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ، وَكَانَ الشَّرْطُ فِيهِ مُؤَكَّدًا لَا مُوجَبًا فَثَلَاثَةُ أَشْيَاءٍ:

أَحَدُهَا: الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] أي يضمنوها.

وَالثَّانِي: الْتِزَامُ أَحْكَامِهَا بِالْإِسْلَامِ فِيمَا أَجَابُوهُ مِنَ المسلمين، لقوله تعالى: {وهم صاغرون} والصغار: أَنْ تَجْرِيَ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَجْتَمِعُوا عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، لِيَكُونُوا آمِنِينَ مِنْهُمْ كَمَا أَمِنُوهُمْ نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ، فَلَوْ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ، وَقَعَدَ عَنْهُمْ بَعْضُهُمُ انْتَقَضَ عَقْدُ الْمُقَاتِلِ، وَنُظِرَ فِي الْقَاعِدِ، فَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ الرِّضَا كَانَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ الرِّضَا كَانَ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَوِ امْتَنَعُوا جَمِيعًا مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ كَانَ نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ سَوَاءٌ امْتَنَعُوا جَمِيعًا مِنِ الْتِزَامِهَا أَوْ مِنْ أَدَائِهَا وَإِنِ امْتَنَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ بَذْلِهَا نُظِرَ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنِ الْتِزَامِهَا كَانَ نَقْضًا لِعَهْدِهِ كَالْجَمَاعَةِ، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الْتِزَامِهَا لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّ إِجْبَارَ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهَا مُتَعَذِّرٌ، وَإِجْبَارَ الْوَاحِدِ عَلَيْهَا مُمْكِنٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ إِذَا امْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا، وَيَنْتَقِضُ إِذَا امْتَنَعُوا مِنْ بَذْلِهَا كَالْآحَادِ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا وَجَبَ بِالشَّرْطِ، وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مَا مُنِعُوا مِنْهُ لِتَحْرِيمِهِ، وَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْيَاءَ.

أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَذْكُرُوا كِتَابَ اللَّهِ بِطَعْنٍ عَلَيْهِ وَلَا تَحْرِيفٍ لَهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَذْكُرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِتَكْذِيبٍ لَهُ، وَلَا إِزْرَاءٍ عَلَيْهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يَذْكُرُوا دِينَ اللَّهِ بِذَمٍّ لَهُ، وَلَا قَدْحٍ فِيهِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ لَا يَفْتِنُوا مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ، وَلَا يَتَعَرَّضُوا لِدَمِهِ أَوْ مَالِهِ.

وَالْخَامِسُ: أَنْ لَا يُصِيبُوا مُسْلِمَةً بِزِنًا، وَلَا بِاسْمِ نِكَاحٍ.

وَالسَّادِسُ: أَنْ لَا يُعِينُوا أَهْلَ الحرب، ولا يؤوا عَيْنًا لَهُمْ، وَلَا يَنْقُلُوا أَخْبَارَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ.

فَهَذِهِ السِّتَّةُ تَجِبُ بِالشَّرْطِ، وَفِي وُجُوبِهَا بِالْعَقْدِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَجِبُ بِالْعَقْدِ، وَيَكُونُ الشَّرْطُ تَأْكِيدًا، تَعْلِيلًا بِدُخُولِ الضَّرَرِ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَى هَذَا إِنْ خَالَفُوهَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>