وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ وَالْجَرْحَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْحَاكِمِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَشْفُ عَنْهُمَا مُسْتَحَقًّا عليه.
(تفريق الشهود) .
[(مسألة)]
: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأُحِبُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سُدَّةُ عُقُولٍ أَنْ يُفَرِّقَهُمْ ثَمَّ يَسْأَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَتِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ وَالْيَوْمِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ وَالْمَوْضِعِ وَمَنْ فِيهِ لِيُسْتَدَلَّ عَلَى عَوْرَةٍ إِنْ كَانَتْ فِي شَهَادَتِهِ وَإِنْ جَمَعُوا الْحَالَ الْحَسَنَةَ وَالْعَقْلَ لَمْ يَفْعَلْ بِهِمْ ذَلِكَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ مَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ عَدَالَتُهُ مِنَ الشُّهُودِ أَنْ يَرَاهُمْ عَلَى كَمَالٍ أَوِ اخْتِلَالٍ.
فَإِنْ رَآهُمْ عَلَى وُفُورِ الْعَقْلِ وَشِدَّةِ التَّيَقُّظِ وَظُهُورِ الْحَزْمِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اخْتِبَارِهِمْ وَلَا أَنْ يُفَرِّقَهُمْ لِسُؤَالِهِمْ وَاقْتَصَرَ عَلَى إِثْبَاتِ أَسْمَائِهِمْ لِيَتَوَلَّى أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِمْ.
وَإِنْ رَآهُمْ عَلَى اخْتِلَالٍ مِنْ قِلَّةِ الْحَزْمِ وَضَعْفِ الرَّأْيِ وَاضْطِرَابِ الْعَقْلِ اخْتَبَرَهُمْ قَبْلَ إِثْبَاتِ أَسْمَائِهِمْ.
وَاخْتِبَارُهُمْ يَكُونُ بِتَفْرِيقِهِمْ وَسُؤَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ عَنْ صِفَةِ شَهَادَتِهِ، فِي سَبَبِهَا، وَزَمَانِهَا، وَمَكَانِهَا، لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ عِنْدَ الِارْتِيَابِ كَالَّذِي رُوِيَ أَنَّ أَرْبَعَةً مِنْ حَوَاشِي نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ هَمُّوا بِإِصَابَةِ امْرَأَةٍ فَامْتَنَعَتْ عَلَيْهِمْ فَشَهِدُوا عَلَيْهَا عِنْدَ دَاوُدَ بِالزِّنَا فَهَمَّ بِرَجْمِهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَاسْتَدْعَى أَرْبَعَةً مِنَ الصِّبْيَانِ فَشَهِدُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ فَرَّقَهُمْ، وَسَأَلَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فَرَدَّ شَهَادَتَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ دَاوُدَ فَفَرَّقَهُمْ، وَسَأَلَهُمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَرَدَّ شَهَادَتَهُمْ وَقِيلَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ فَرَّقَ الشُّهُودَ دَانْيَالَ شَهِدَ عِنْدَهُ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا، فَفَرَّقَهُمْ وَسَأَلَهُمْ فَاخْتَلَفُوا فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَنَزَلَتْ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُمْ.
وَحُكِيَ أَنَّ سَبْعَةً خَرَجُوا فِي سَفَرٍ فَفُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَجَاءَتِ امْرَأَتُهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تَدَّعِي عَلَيْهِمْ قَتْلَهُ فَفَرَّقَهُمْ وَأَقَامَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى سَارِيَةٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلًا وَاسْتَدْعَى أَحَدَهُمْ وَسَأَلَهُ فَأَنْكَرُ فَقَالَ عَلِيٌّ اللَّهُ أَكْبَرُ فَظَنُّوا حِينَ سَمِعُوا تَكْبِيرَهُ أنه كبر إِقْرَارِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَأَقَرُّوا، فَقَالَ الْأَوَّلُ: أَنَا مَا أَقْرَرْتُ. فَقَالَ " قَدْ شَهِدَ عَلَيْكَ أَصْحَابُكَ ". فَثَبَتَ أَنَّ تَفْرِيقَ الشُّهُودِ مَعَ الِارْتِيَابِ نُدِبَ مِنْ سُنَنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَئِمَّةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ وَنَفْيِ الِارْتِيَابِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute