للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: إِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِي اللُّحُوقِ لِافْتِرَاقِهِمَا في معنى الاستبراء واختلافما فِي إِمْكَانِ اللُّحُوقِ فَصَارَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَامِلَ إِذَا لَاعَنَ مِنْهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ، وَوَضْعُ الْحَمْلِ يَقِينٌ فِي اسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ لِلزَّوْجِ مَا فِي الرَّحِمِ، وَذَاتُ الْوَلَدِ إِذَا لَاعَنَ مِنْهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ وَالِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَقْرَاءِ غَلَبَةُ ظَنٍّ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ تَحِيضَ عَلَى الْحَمْلِ وَيُرَى دَمُ فَسَادٍ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الرَّحِمُ مُشْتَمِلًا عَلَى مَاءِ الزَّوْجِ وانعقاد الولد منه.

والثاني: أنه يمنع مِنْ ذَاتِ الْحَمْلِ إِذَا الْتَعَنَ مِنْهَا أَنْ يَطَأَهَا فِي الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ وَضْعِ الْحَمْلِ فَامْتَنَعَ أن يكون الحمل الثاني منه [وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَاتِ الْوَلَدِ إِذَا الْتَعَنَ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا فِي الزَّوْجِيَّةِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ الثَّانِي مِنْهُ] .

فَلِهَذَيْنِ مَا فَرَّقْنَا فِي الثَّانِي بَيْنَ الْحَمْلَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ الثَّانِي وَلَمْ يَنْتَفِع مِنْهُ إِلَّا بِلِعَانٍ فَإِنِ الْتَعَنَ مِنْهُ احْتَاجَ فِيهِ إِلَى قَذْفٍ ثَانٍ، لِأَنَّ الْقَذْفَ بِالزِّنَا الْأَوَّلِ قَدِ انْقَطَعَ مَاؤُهُ بِوِلَادَةِ الْأَوَّلِ فَصَارَ الْوَلَدُ الثَّانِي مِنْ مَاءٍ ثَانٍ فَاقْتَضَى أَنْ يُضَافَ فِي اللِّعَانِ إِلَى زِنًا ثَانٍ، فَإِنْ لَمْ يَلْتَعِنْ مِنَ الثَّانِي لَحِقَ بِهِ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حَمْلَيْنِ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ فِي الْحَمْلَيْنِ أَنْ يَكُونَا مِنَ اثْنَيْنِ.

وَأَمَّا الْحَالُ الثَّالِثَةُ: وَهُوَ أَنْ تَضَعَهُ لِأَرْبَعِ سِنِينَ فَصَاعِدًا مِنْ وَقْتِ لِعَانِهِ، فَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِغَيْرِ لِعَانٍ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ إِصَابَتِهِ فِي الزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ لِعَانِهِ لِتَجَاوُزِهِ مدة أكثر الحمل.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وإذا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الْآخَرَ فَهُمَا ابْنَاهُ وَلَا يَكُونُ حَمْلٌ وَاحِدٌ بولدين إلا من واحد (قال الشافعي) رحمه الله وَإِنْ كَانَ نَفْيُهُ بِقَذْفٍ لِأُمِّهِ فَعَلَيْهِ لَهَا الْحَدُّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَهُمَا مِنْ حَمْلٍ وَاحِدٍ لِاشْتِمَالِ الْبَطْنِ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ نَفَى أَحَدَهُمَا بِاللِّعَانِ وَاعْتَرَفَ بِالْآخَرِ، أَوْ نَفَى أَحَدَهُمَا وَأَمْسَكَ عَنْ نَفْيِ الْآخَرِ فَذَلِكَ سَوَاءٌ وَهُمَا لَاحِقَانِ بِهِ، لِأَنَّ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ وَأَمْسَكَ عَنْ نَفْيِهِ لَاحِقٌ بِهِ، وَهُوَ مِنْ حَمْلِ الْأَوَّلِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَتْبَعَهُ الْأَوَّلُ فِي اللُّحُوقِ وَإِنْ نَفي لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ، فَصَارَ الْأَوَّلُ تَابِعًا لِلثَّانِي فِي الْإِقْرَارِ، وَلَمْ يَصِرِ الثَّانِي تَابِعًا لِلْأَوَّلِ فِي الْإِنْكَارِ، لِأَنَّ الشَّرِيكَ يَتَعَدَّى إِلَيْهِ الْإِقْرَارُ وَلَا يَتَعَدَّى إِلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>