للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرَّابِعُ: حَدِيثُ سَعِيدِ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الدَّينَارُ بِالدَّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنِهِمَا ".

وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ وَقَوْلُهُ: " إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ " فَفِيهِ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ جَوَابُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ جَوَابٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِسَائِلٍ سَأَلَهُ عَنِ التَّفَاضُلِ فِي جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَقَالَ: إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَنَقَلَ أُسَامَةُ جواب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَغْفَلَ سُؤَالَ السَّائِلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَجُوزُ التَّمَاثُلُ فِيهِ نَقْدًا وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً.

عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ الْمُسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ أُسَامَةَ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِهِ حِينَ لَقِيَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَى مَتَى تَأْكُلُ الرِّبَا وَتُطْعِمُهُ النَّاسَ وَرَوَى لَهُ حَدِيثَهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذَا رِبًا كَانَ مِنِّي وَإِنِّي أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَمَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَوَّلِ الْهِجْرَةِ وَتَحْرِيمُ الرِّبَا متأخر.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَيَحْتَمِلُ قَوْلُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إِلَّا هَاءً وَهَاءً " يُعْطِي بيد ويأخذ بأخرى فيكون الأخذ مع الإعطاء وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَتَفَرَّقَ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى يَتَقَابَضَا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ لِمَالِكِ بْنِ أَوْسٍ لَا تُفَارِقْهُ حَتَى تُعْطِيَهُ وَرِقَهُ أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ ذَهَبَهُ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى أنَّ مخْرَجَ " هَاءً وَهَاءً " تَقَابُضُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. كُلُّ شَيْئَيْنِ ثَبَتَ فِيهِمَا الرِّبَا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَصِحَّ دُخُولُ الْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا وَلَا الِافْتِرَاقُ قَبْلَ تَقَابُضِهِمَا. سَوَاءً كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ كَالْبُرِّ بِالْبُرِّ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالشَّعِيرِ بِالْبُرِّ حَتَّى يَتَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي الصَّرْفِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ أبو حنيفة فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ كَقَوْلِنَا لَا يَصِحُّ فِيهِمَا الْعَقْدُ إِلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِمَا الْأَجَلُ وَلَا خِيَارُ الشَّرْطِ.

وَأَجَازَ فِيمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ تَأْخِيرَ الْقَبْضِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْأَجَلُ. اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يَتَضَمَّنْ صَرْفًا فَلَمْ يَكُنِ التَّقَابُضُ فِيهِ قبل الافتراق شرطا كالثياب بالثياب.

<<  <  ج: ص:  >  >>