للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ عُمُومِ الْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَخْصِيصُهَا بِأَدِلَّتِنَا.

وَالثَّانِي: حَمْلُهَا عَلَى التَّحَمُّلِ دُونَ الْأَدَاءِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ الدين والعدالة يمنعان من الشهادة بالزور وهو أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَمَّا لَمْ يَبْعَثْ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ لَمْ يُوجِبْ قَبُولَ شَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدْوِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْعَدَاوَةَ فِي الدُّنْيَا أَسْهَلُ: فَهُوَ أن العداوة في الدين يبعث عَلَى الْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ فَزَالَتِ التُّهْمَةُ فِيهِ. وَالْعَدَاوَةُ فِي الدُّنْيَا أَغْلَظُ لِلْعُدُولِ بِهَا عَنْ أَحْكَامِ الدِّينِ.

وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْمَقْذُوفِ عَلَى الْقَاذِفِ وَلَا الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَا الْمَسْرُوقِ مِنْهُ عَلَى السَّارِقِ وَوَلِيِّ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَاتِلِ وَالزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ إِذَا زَنَتْ فِي فِرَاشِهِ، إِلَى نَظَائِرِ هَذَا.

وَإِذَا مَنَعَتِ الْعَدَاوَةُ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَدُوِّ، لَمْ تَمْنَعْ مِنَ الشَّهَادَةِ لَهُ، لِأَنَّهُ مَتْهُومٌ فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ وَغَيْرُ مَتْهُومٍ فِي الشَّهَادَةِ لَهُ. لِأَنَّ مَا بَعَثَ عَلَى الْعَدَاوَةِ لَا يَكُونُ جَرْحًا تَسْقُطُ بِهِ الشَّهَادَةُ.

( [الْقَوْلُ فِي شَهَادَةِ الْخَصْمِ عَلَى خَصْمِهِ] )

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْخَصْمِ عَلَى خَصْمِهِ فَتُرَدُّ فِيمَا هُوَ خَصْمٌ فِيهِ لِرِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ ولا ذي الإحنة ".

ولأن الخصومة تؤول إِلَى الْعَدَاوَةِ، وَالْعَدَاوَةُ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِخَصْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ. فَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ وَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا ثم قذف المشهود فلو عَلَيْهِ الشَّاهِدَ فَصَارَ بِالْقَذْفِ خَصْمًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ. لَمْ تُرَدَّ وَجَازَ الْحُكْمُ بِهَا مَعَ حُدُوثِ الْخُصُومَةِ وَالْعَدَاوَةِ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْفِسْقِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالشُّهُودِ. وَلِأَنَّ حُدُوثَ الْخُصُومَةِ وَالْعَدَاوَةِ لَيْسَ بِجَرْحٍ يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ مَنَعَ حُدُوثَ ذَلِكَ. مِنَ الْحُكْمِ بِهَا لَمَا صَحَّتْ شَهَادَةٌ عَلَى أَحَدٍ، لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِسْقَاطِهَا بِحُدُوثِ نِزَاعٍ وَخُصُومَةٍ وَمَا أَدَّى إِلَى هَذَا بَطَلَ اعْتِبَارُهُ.

( [شَهَادَةُ الصِّدِّيقِ لِصَدِيقِهِ] )

(فَصْلٌ)

: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ، وَإِنْ كَانَ مُلَاطِفًا، وَالْمُلَاطِفُ، والْمُهَادِي، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>