أَحَدُهَا: أَنَّ نَهْيَهُ عَنِ التَّصْرِيَةِ لَا يَقْتَضِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَ الرَّدَّ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَلَوْ كَانَ لِلشَّرْطِ كَانَ لَهُمَا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ جَعَلَ الرِّضَا مُوجِبًا لِلْإِمْضَاءِ وَالسَّخَطَ مُوجِبًا لِلرَّدِّ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُعَلَّقًا بِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَإِسْقَاطُ الشَّرْطِ لَا يُوجِبُ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ هَذَا ظَنٌّ مِنَ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ ظَنَّ سِمَنَ ضَرْعِهَا لَبَنًا وَانْتِفَاخَ جَوْفِهَا حَمْلًا، فَهُوَ أَنَّ سِمَنَ الضَّرْعِ لَيْسَ بِتَدْلِيسٍ مِنْهُ فَلَمْ يَكُنْ عَيْبًا، وَالتَّصْرِيَةُ تَدْلِيسٌ مِنْهُ فَكَانَتْ عَيْبًا وَأَمَّا انْتِفَاخُ جَوْفِهَا بِالْعَلَفِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَى إِكْثَارِ عَلَفِهَا وَغَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ، فَلَمْ يَكُنْ تَدْلِيسًا. وَالتَّصْرِيَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَكَانَتْ تَدْلِيسًا فَكَذَا لَوِ ابْتَاعَ غُلَامًا قَدْ أَخَذَ دَوَاةً وَأَقْلَامًا وَسَوَّدَ يَدَهُ لِيُوهِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَاتِبٌ فَكَانَ غَيْرَ كَاتِبٍ فَلَيْسَ هَذَا عَيْبًا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُمْكِنُهُ اخْتِبَارُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَلِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْهُ مُحْتَمَلًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَاتِبًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غُلَامًا لِكَاتِبٍ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْبًا مَعَ الرُّؤْيَا لَكَانَ عَيْبًا مَعَ فَقْدِ الرُّؤْيَا كَسَائِرِ الْعُيُوبِ فَهُوَ أَنَّنَا نَقُولُ إِنَّهُ عَيْبٌ مَعَ الرُّؤْيَا وَفَقْدِ الرُّؤْيَا كَسَائِرِ الْعُيُوبِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّصْرِيَةَ عَيْبٌ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالتَّصْرِيَةِ فَلَهُ الرَّدُّ إِذَا عَلِمَ التَّصْرِيَةَ إِلَى ثَلَاثَةِ أيام لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا ثَلَاثًا ". وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْخِيَارِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُ خِيَارُ شَرْعٍ لِأَنَّهُ يَمْتَدُّ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ كَانَ خِيَارَ عَيْبٍ لَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: إِنَّهُ خِيَارُ عَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعُ الْكَشْفِ وَالتَّدْلِيسُ بِالتَّصْرِيَةِ لَا يُعْلَمُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ إِذَا حَلَبَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّصْرِيَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَبَنُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِثْلَهُ فَإِذَا حَلَبَهَا الْحَلْبَةَ الثَّانِيَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَرَآهُ نَاقِصًا جَازَ أَنْ يَكُونَ نَقْصُهُ لِأَنَّهَا مُصَرَّاةٌ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ نَقْصُهُ لِقِلَّةِ إِمْكَانٍ أَوْ تَغْيِيرِ مَكَانٍ فَإِذَا حَلَبَهَا الثَّالِثَةَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَكَانَ نَاقِصًا عَنِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، يَتَيَقَّنُ حِينَئِذٍ أَنَّهَا مُصَرَّاةٌ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّصْرِيَةِ حَتَّى مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ عَلِمَ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّرَ بِالشَّرْعِ وَقُلْنَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَثْبُتَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي لَهُ الرَّدُّ كَمَا لَوْ عَلِمَ بِغَيْرِهِ مِنَ الْعُيُوبِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّصْرِيَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute