للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءِ، لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّحْكِيمِ مُنْعَقِدَةٌ بِاخْتِيَارِهِمَا فَصَارَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ رَاضِيًا بِحُكْمِهِ عَلَيْهِ وَخَالَفَتِ الْوِلَايَةُ الْمُنْعَقِدَةُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا.

وَإِنْ حَكَمَ لِعَدُوِّهِ نَفَذَ حُكْمُهُ.

وَإِنْ حَكَمَ عَلَى عَدُوِّهِ فَفِي نُفُوذِ حُكْمِهِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ بِوِلَايَةِ التَّحْكِيمِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَوِلَايَةِ التَّحْكِيمِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ أَسْبَابَ الشَّهَادَةِ خَافِيَةٌ وَأَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِوِلَايَةِ التَّحْكِيمِ لِانْعِقَادِهَا عَنِ اخْتِيَارِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ لِانْعِقَادِهَا بِغَيْرِ اختياره.

(الاستخلاف على القضاء)

[(مسألة)]

: قال الشافعي: " وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ إِذْ وَلَّى الْقَضَاءَ رَجُلًا أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ مَنْ رَأَى فِي الطَّرَفِ مِنْ أَطْرَافِهِ فَيَجُوزُ حُكْمُهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْإِمَامُ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى الْقَضَاءِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَى غَيْرِ الْقَضَاءِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ الْأُمُورِ مَوْكُولَةٌ إِلَى نَظَرِهِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِبَعْضِهَا فَيَخْتَصُّ بِمُبَاشَرَتِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّ لِي حِمَارًا وَلِهَذَا بَقَرَةً وَأَنَّ بَقَرَتَهُ قَتَلَتْ حِمَارِي. فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ: " اقْضِ بَيْنَهُمَا " فَقَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْبَهَائِمِ فَقَالَ لِعُمَرَ: " اقْضِ بَيْنَهُمَا " فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ لَعَلِّي: " اقْضِ بَيْنَهُمَا " فَقَالَ عَلِيٌّ: أَكَانَا مرسلين؟ فقالا: لا قال: أكانا مشدودين؟ قال: لَا. قَالَ: أَفَكَانَتِ الْبَقَرَةُ مَشْدُودَةً وَالْحِمَارُ مُرْسَلًا؟ قال: لَا. قَالَ: أَفَكَانَ الْحِمَارُ مَشْدُودًا وَالْبَقَرَةُ مُرْسَلَةً؟ قَالَا: نَعَمْ. قَالَ: " عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرَةِ الضَّمَانُ ".

قال أصحابنا: تأويل الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَضَيَا بِسُقُوطِ الضَّمَانِ عَنْ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَإِنَّ عَلِيًّا قَضَى بِوُجُوبِ الضمَان عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مَعَهَا. فَقَدِ اسْتَخْلَفَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على القضاء بمشهده وإن أمكنه القضاء نفسه.

فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ رَدَّهُ إِلَى عُمَرَ بَعْدَ قَضَاءِ أَبِي بَكْرٍ، وَرَدَّهُ إِلَى عَلِيٍّ بَعْدَ قَضَاءِ عُمَرَ، وَالْحُكْمُ إِذَا نَفَذَ انْقَطَعَ بِهِ التنازع.

<<  <  ج: ص:  >  >>