قال الماوردي: ذكر الشافعي هاهنا إِذَا حَلَفَ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ بِ " حَقِّ اللَّهِ " وَ " عَظَمَةِ اللَّهِ " وَ " جَلَالِ اللَّهِ "، وَ " قدرة الله ".
فأما عظمة اللَّهِ وَجَلَالِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ أَوْ لَمْ يُرِدْ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ الْمَحْضَةِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا عُرْفُ شَرْعٍ وَلَا اسْتِعْمَالٍ وَإِنْ كَانَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهَا مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعِرْفَانُ فِيمَا كَانَ مِنَ الصِّفَاتِ مُحْتَمَلًا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِيمَا زَالَ عَنْهُ الِاحْتِمَالُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَحَقِّ اللَّهِ، وَقُدْرَةِ اللَّهِ، فَتَكُونُ يَمِينًا فِي حَالَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثٍ إِذَا أَرَادَ الْيَمِينَ وَإِذَا أَطْلَقَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا قَالَ: وَحَقِّ اللَّهِ لَا تَكُونُ يَمِينًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا سَوَاءٌ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ أَوْ لَمْ يُرِدْ، لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى فُرُوضُهُ وَعِبَادَاتُهُ، لِرِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟ فَقَالَ: " أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَتَعْبُدُوهُ وَتُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ ".
وَدَلِيلُنَا شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا يَمِينٌ مُعْتَادَةٌ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ أُضِيفَتْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ يَمِينًا كَصِفَاتِ ذَاتِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْعِزَّةِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهَا يَمِينٌ مُسْتَحَقَّةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، فَجَرَى عَلَيْهَا حُكْمُ صِفَاتِ الذَّوَاتِ.
وَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ، لِأَنَّهُ بَيَّنَ بَعْضَ حُقُوقِهِ، وَقَدْ تَحْتَمِلُ الْعِبَادَاتِ، وَتَحْتَمِلُ صِفَاتِ الذَّاتِ، فَجَازَ أَنْ تُعْتَبَرَ فِيهِ الْإِرَادَةُ بِحَمْلِهِ عَلَى أَحَدِهِمَا.
وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " يَعْمَلُ عَلَى إِرَادَتِهِ " فَلَا تَكُونُ يَمِينًا، لِمَا عَلَّلَ بِهِ مِنْ جَوَازِ أَنْ يُرِيدَ. وَحُقُّ اللَّهِ وَاجِبٌ، وَقُدْرَةُ الله ماضية، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّهُ لَا تَكُونُ يَمِينًا عَلَى مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ، وَعَلَّلَ بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، إِنَّهُ لَا تَكُونُ يَمِينًا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَكُونُ يَمِينًا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهُ لَا تَكُونُ يَمِينًا بِالْإِرَادَةِ إِذَا عَزَاهُ إِلَى أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، وَتَكُونُ يَمِينًا إِذَا لَمْ يَعْزُهُ إِلَى أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قَالَ الشافعي: " وَلَوْ قَالَ بِاللَّهِ أَوْ تَاللَّهِ فَهِيَ يمينٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ. وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: تَاللَّهِ يمينٌ وَقَالَ فِي الْقَسَامَةِ لَيْسَتْ بيمينٍ (قال المزني) رحمه الله: وقد حكى الله عز وجل يمين إبراهيم عليه السلام {وتاللهِ لأَكِيدَنَّ أصْنَاَمكُمْ بَعْدَ أَنْ تَوَلُّوا مُدْبِرِينَ} .