للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: حُكْمُ غَيْرِهِ إِنْ أَكَلَ مِنْهُ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا حُكْمُ الْقَاتِلِ إِنْ أَكَلَ مِنْهُ، وَهُوَ أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فَيَفْدِيَهُ ثُمَّ يَأْكُلَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِأَكْلِهِ عَاصِيًا، وَقَالَ أبو حنيفة: أَكْلُهُ لِلصَّيْدِ حرامٌ، وَعَلَيْهِ جَزَاءُ مَا أَكَلَ، وَجَزَاؤُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ حرامٌ عَلَى قَاتِلِهِ، فَلَمَّا كَانَ لَوْ أَكَلَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، وَجَبَ إِذَا أَكَلَ مِنْ لَحْمِ الصَّيْدِ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ أَكَلَ لَحْمَ حَيَوَانٍ حَرُمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَلَحْمِ الْجَزَاءِ وَلِأَنَّ أَكْلَ هَذَا الصَّيْدِ محرمٌ، كَمَا أَنْ قَتَلَهُ محرمٌ، فَلَمَّا كَانَ قَتْلُهُ مُوجِبًا لِلْجَزَاءِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَكْلُهُ مُوجِبًا لِلْجَزَاءِ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ فَعَلَ فِي الصَّيْدِ مَا هُوَ حرامٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَالْقَتْلِ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي زَيْدٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: " قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الضَّبُعِ كَبْشًا فَجَدْيًا " فَكَانَ ظَاهِرُ قَضِيَّتِهِ أَنَّ الْكَبْشَ جَمِيعٌ يُوجِبُهُ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْأَكْلِ كَانَ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ كَالْجَزَاءِ، وَكُلَّ مَا كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْإِتْلَافِ كَانَ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْأَكْلِ كَالْمَيْتَةِ، فَلَمَّا كَانَ لَحْمُ الصَّيْدِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَى قَاتِلِهِ إِذَا أَتْلَفَهُ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ إِذَا أَكَلَهُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ قَدْ يَتَحَرَّرُ مِنَ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْإِتْلَافِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْأَكْلِ كَالْمَيْتَةِ.

وَالثَّانِي: أنه فعل لو أحدثه في ميتته لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ، فَوَجَبَ إِذَا أَحْدَثَهُ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ أَلَّا يَلْزَمَهُ الضَّمَانُ كَالْإِتْلَافِ، وَلَأَنُّ لَحْمَ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِي الْحَرَمِ حرامٌ عَلَى قَاتِلِهِ كَمَا أَنَّ لَحْمَ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فِي الْإِحْرَامِ حرامٌ عَلَى قَاتِلِهِ فَلَمَّا كَانَ قَاتِلُ الصَّيْدِ مِنَ الْحَرَمِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِأَكْلِهِ ضَمَانٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِأَكْلِهِ ضَمَانٌ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ صيدٌ ضَمِنَهُ بِالْقَتْلِ فَوَجَبَ أَلَّا يَضْمَنَهُ بِالْأَكْلِ كَالْمَقْتُولِ فِي الْحَرَمِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَضْمَنُ الصَّيْدَ بِقَتْلِهِ، كَمَا يَضْمَنُ الْبَيْضَ بِكَسْرِهِ، وَالشَّجَرَ بِقَطْعِهِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ الْبَيْضَ بِكَسْرِهِ وَالشَّجَرَ بِقَطْعِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ فِيمَا بَعْدُ بِإِتْلَافِهِ وَأَكْلِهِ فَكَذَلِكَ الصَّيْدُ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهَا عينٌ ضَمِنَهَا بإتلافٍ فَوَجَبَ أَلَّا يَضْمَنَهَا بِالْأَكْلِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، كَالْبَيْضِ وَالشَّجَرِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَضْمَنُ الصَّيْدَ بِمَوْتِهِ فِي يَدِهِ كَمَا يَضْمَنُهُ بِقَتْلِهِ فِي يَدِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ أَمْسَكَ صَيْدًا فَمَاتَ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، وَلَمْ يَضْمَنْ مَا أَكَلَ مِنْهُ كَذَلِكَ إِذَا قَتَلَهُ بِيَدِهِ.

وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ قِيَاسًا أَنَّهُ صيدٌ مضمونٌ بِالْجَزَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْأَكْلِ كَالْمَيِّتِ حَتْفَ أَنْفِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>