للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ دَفْعُهَا إِلَى بَعْضِ الصِّنْفِ جَازَ دَفْعُهَا إِلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ فَهُوَ أَنَّ دَفْعَهَا إِلَى بَعْضِ الصِّنْفِ تَخْصِيصُ عُمُومٍ فَجَوَّزْنَاهُ وَدَفْعُهَا إِلَى بَعْضِ الْأَصْنَافِ نَسْخُ نَصٍّ فَأَبْطَلْنَاهُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِرَدِّ سَهْمِ مَنْ فُقِدَ مِنَ الْأَصْنَافِ عَلَى مَنْ وُجِدَ فَهُوَ بَاطِلٌ بِمِيرَاثِ الزَّوْجَاتِ الْأَرْبَعِ الرُّبُعَ، وَلَوْ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ لَكَانَ لَهَا فَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَالُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ سَدُّ الْخَلَّةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْمَقْصُودَ بِبَعْضِهِ سَدُّ الْخَلَّةِ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَبَعْضُهُ مَعُونَةٌ لِفَكِّ رِقَابِ الْمَسَاكِينِ وَالْغَارِمِينَ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خَلَّاتِ الْأَصْنَافِ كُلِّهَا لَا بَعْضِهَا فَلَمْ يَسْلَمِ الدَّلِيلُ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ وُجُوبِ مَصْرِفِهَا فِي الْأَصْنَافِ كُلِّهِمْ لَمْ يَخْلُ حَالُ رَبِّ المال من أن يتول تَفْرِيقَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ، فَإِنْ فَرَّقَهَا بِنَفْسِهِ سَقَطَ مِنْهَا سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمْ لَا عَمَلَ لَهُمْ فِيهَا وَقَسَمَ عَلَى سَبْعَةِ أَصْنَافٍ إِنْ وُجِدُوا فَإِنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهِمْ ضُمِنَ سَهْمُهُمْ مِنْهَا، وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ أَوْ سَاعِيهِ كَانَتْ يَدُهُ يَدًا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ بِنِيَابَتِهِ عَنْهُمْ وَوِلَايَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ حُصُولُهَا فِي يَدِ الْإِمَامِ أَوْ سَاعِيهِ مُسْقِطًا لِفَرْضِهَا عَنْ رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ الْإِمَامُ بِالْخِيَارِ بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُفَرِّقَ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَيَكُونُوا ثَمَانِيَةً يُدْخِلُ فِيهِمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا إِنْ عَمِلُوا فِيهَا أَوْ يَدْفَعُ كُلَّ صَدَقَةٍ إِلَى صِنْفٍ مِنَ الْأَصْنَافِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ إِذَا جُعِلَتْ بِيَدِهِ صَارَتْ كالصدقة الواحدة.

[مسألة:]

قال الشافعي: " وَلَا يَخْرُجُ عَنْ بَلَدٍ وَفِيهِ أَهْلُهُ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بعثه " فإن أجابوك فأعملهم أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ " ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ زَكَاةُ الْأَمْوَالِ يَجِبُ صَرْفُهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهَا عَنْهُ، فَإِنْ نُقِلَتْ فَقَدْ أَسَاءَ نَاقِلُهَا وَفِي إِجْزَائِهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة وَيَكُونُ عِنْدَهُ مُسِيئًا إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْبَلَدُ الَّذِي نَقَلَهَا إِلَيْهِ أَمَسَّ حَاجَةً فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مُسِيئًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ نَقْلُهَا وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ.

فَإِذَا قِيلَ بِالْأَوَّلِ إِنَّهُ يُجْزِئُ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة فَدَلِيلُهُ قَوْله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} الْآيَةَ فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ الْهِلَالِيَّ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فَأَعِنِّي، فَقَالَ: نُؤَدِّهَا عَنْكَ إِذَا قَدَّمْتَ لَنَا نَعَمَ الصَّدَقَةِ.

فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَتْ تُحْمَلُ إِلَيْهِ صَدَقَاتُ الْبِلَادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>