وَالثَّانِي: الْقِيَامُ يَسْقُطُ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ
وَالثَّالِثُ: اسْتِيفَاءُ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ وَيَعْدِلُ عَنْهُ إِلَى الْإِيمَاءِ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ، فَلَوْ قَدَرَ على بعضها وعجز عن بعضها لزمه بما قَدَرَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ مَا عَجَزَ عَنْهُ، فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، وَرَاكِبًا إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَةِ رَاكِبًا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَائِمًا لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ أَوْكَدُ مِنْ فَرْضِ الْقِيَامِ، لِأَنَّ فَرْضَ الْقِيَامِ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَفَرْضُ الْقِبْلَةِ لَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ السَّائِرُ فِي سَفَرِهِ يُصَلِّي النَّافِلَةَ إِلَى جِهَةِ سَيْرِهِ مِنْ قِبْلَةٍ وَغَيْرِهَا لِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ "
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ النَّوَافِلَ فِي كُلِّ جِهَةٍ "، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ تَأْوِيلَاتِ قَوْله تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] ، وَلِأَنَّ الْمُسَافِرَ لو منع من التنفل سائر الأداء إِمَّا إِلَى تَرْكِ التَّنَفُّلِ أَوْ إِلَى الِانْقِطَاعِ عن السير، وفي تمكينه منه وفق سَفَرِهِ، وَوُفُورُ ثَوَابِهِ بِتَنَفُّلِهِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَكُلُّ صَلَاةٍ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا سَائِرًا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ السُّنَنِ الْمُوَظَّفَاتِ، كَالْوِتْرِ وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، أَوْ كَانَتْ مِنَ النَّوَافِلِ الْمُسْتَحْدَثَاتِ، وَمَنَعَ أبو حنيفة مِنْ صَلَاةِ الْوِتْرِ سَائِرًا لِوُجُوبِهَا عِنْدَهُ، وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ
فَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ التَّوَجُّهِ فِيهَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا سَائِرًا حَتَّى يَنْزِلَ فَيُصَلِّيَهَا عَلَى الْأَرْضِ قَائِمًا لِكَوْنِهَا فَرْضًا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَرْضُهَا فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا سَائِرًا، لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ بِهَا
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا سَائِرًا حَتَّى يَسْتَقْبِلَ بِهَا الْقِبْلَةَ، لِأَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَتَأَكَّدَتْ، وَلِأَنَّهَا نَفْلٌ فَتَسَهَّلَتْ
: فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُسَافِرِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ سَائِرًا أَوْ غَيْرَ سَائِرٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِرًا فَلَا يَجُوزُ إِذَا أَرَادَ التَّطَوُّعَ بِالصَّلَاةِ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِقُ بِالْعُدُولِ عَنْهَا، وَكَانَ فَرْضُ التَّوَجُّهِ فِيهَا بَاقِيًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سَائِرًا، فَلَا يَخْلُو مِنْ أن يكون
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute