للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَطَلِّقِي نَفْسَكِ إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَضَمِنَتْهَا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهَا وَلَا يَلْزَمُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْخِيَارِ كَمَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا إِلَيْهَا لَمْ يَجُزْ إِلَّا فِي وَقْتِ الْخِيَارِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِشَرْطَيْنِ نُبَيِّنُ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ نَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، أَمَّا إِذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَكِ، أَوْ قَدْ جَعَلْتُ إِلَيْكِ طَلَاقَ نَفْسِكِ أَوِ اخْتَارِي طَلَاقَ نَفْسِكِ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَقَدْ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فَإِنْ عَجَّلَتْ طَلَاقَ نَفْسِهَا فِي الْمَجْلِسِ عَلَى الْفَوْرِ فِي وَقْتِ الْجَوَابِ طُلِّقَتْ، وَإِنْ أَخَّرَتْهُ حَتَّى تَرَاخَى الزَّمَانُ لَمْ تُطَلَّقْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَتَى طَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي طُلِّقَتِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ رَدَّ إِلَيْهَا طَلَاقَ نَفْسِهَا كَمَا يَرُدُّ إِلَى وَكِيلِهِ طَلَاقَهَا، وَلَوْ رَدَّهُ إِلَى الْوَكِيلِ جَازَ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى التَّرَاخِي كَذَلِكَ إِذَا رَدَّهُ إِلَيْهَا.

وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ رَدَّ الطَّلَاقِ إِلَيْهَا تَمْلِيكٌ وَرَدُّهُ إِلَى الْوَكِيلِ اسْتِنَابَةٌ فَلَزِمَ فِي التَّمْلِيكِ تَعْجِيلُ الْقَبُولِ كَالْهِبَةِ، وَلَمْ يَلْزَمْ فِي الِاسْتِنَابَةِ تَعْجِيلُ النِّيَابَةِ كَالْبَيْعِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: بِعْ عَبْدِي هَذَا، جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى التَّرَاخِي، لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ: قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي هَذَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ عَلَى الْفَوْرِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ يَجِبُ أَنْ يَقَعَ الْفَرْقُ فِيهِ بَيْنَ التَّمْلِيكِ وَالتَّوْكِيلِ.

وَأَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يُعَلِّقَ طَلَاقَهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَقَوْلِهِ: إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَشَرْطُ وُقُوعِ هَذَا الطَّلَاقِ تَعْجِيلُ الضَّمَانِ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى الْفَوْرِ فِي وَقْتِ الْقَبُولِ، وَهُوَ أَضْيَقُ مِنْ وَقْتِ الْجَوَابِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ حُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرْطَيْنِ عَلَى انْفِرَادِهِ فَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ: قَدْ جَعَلْتُ إِلَيْكِ طَلَاقَ نَفْسِكِ إِنْ ضَمِنْتِ إِلَيَّ أَلْفًا فَيُعَلِّقُ طَلَاقَهَا بِشَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: ضَمَانُ أَلْفٍ.

وَالثَّانِي: أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَكِلَا الشَّرْطَيْنِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْفَوْرِ لَكِنْ مِنْ صِحَّتِهَا تَقَدُّمُ الضَّمَانِ عَلَى الطَّلَاقِ، فَإِنْ عَجَّلَتِ الطَّلَاقَ قَبْلَ الضَّمَانِ لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تُقَدِّمَ الضَّمَانَ عَلَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَ الضَّمَانَ شَرْطًا فِي الطَّلَاقِ فَيَلْزَمُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ فِيهِ، وَإِذَا لَزِمَ تَقْدِيمُ الضَّمَانِ وَتَعْقِيبُهُ بِالطَّلَاقِ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا إِذَا ضَمِنَتِ الْأَلْفَ وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَفْعَلَهُمَا عَلَى الْفَوْرِ فَيَصِحَّانِ، وَقَدْ طُلِّقَتْ وَلَزِمَهَا ضَمَانُ الْأَلْفِ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَفْعَلَهُمَا عَلَى التَّرَاخِي فَيَبْطُلَانِ وَلَا طَلَاقَ وَلَا ضَمَانَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>