للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والدلالة الثانية: قَوْلُهُ " وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَالتَّرَاجُعُ يَكُونُ فِي خُلْطَةِ الْأَوْصَافِ دُونَ الْأَعْيَانِ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُؤَكِّدُهُ، رِوَايَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا فِي الْحَوْضِ، وَالسَّقْيِ، وَالرَّعْيِ " وَرُوِيَ: " وَالْفُحُولِ " وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ لَوِ انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ، فَجَازَ إِذَا اشْتَرَكَا فِيهِ أَنْ تَجِبَ زَكَاتُهُ لِوُجُودِ النِّصَابِ كَمَا أَنَّ كُلَّ مَالٍ سَقَطَتْ عَنْهُ الزَّكَاةُ لَا لِنُقْصَانِ النِّصَابِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ بِوُجُودِ النِّصَابِ، كَمَالِ الذِّمِّيِّ وَالْمُكَاتَبِ، وَلِأَنَّ إِيجَابَ الزَّكَاةِ يَفْتَقِرُ إِلَى مَالِكٍ وَمَمْلُوكٍ، فَلَمَّا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ وَإِنِ افْتَرَقَ الْمِلْكُ اقْتَضَى أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ وإن افترق الملاك وأما الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ أَرْبَعِينَ فَلَا شَيْءَ فِيهَا " فَهُوَ دَلِيلُنَا: لِأَنَّهُ قَالَ الرَّجُلِ فَأَدْخَلَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الدَّاخِلَةَ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْمَعْهُودِ، فَلَمْ يَصِحَّ حَمْلُهَا عَلَى المعهود لفقده، فكانت محمولة على الجنس، كَأَنَّهُ قَالَ وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ سَائِمَةَ الرِّجَالِ أَرْبَعِينَ فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: " لَا خِلَاطَ وَلَا وِرَاطَ " فَهَذَا حَدِيثٌ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَتَبَ لِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، وَلِقَوْمِهِ: " مِنْ محمد رسول الله إِلَى الْأَقْيَالِ الْعَبَاهِلَةِ مِنْ أَهْلِ حَضْرَمَوْتَ بِإِقَامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، على البيعة شاة واليتيمة لصاحبها، وفي السيوب الخمس لَا خِلَاطَ، وَلَا وِرَاطَ، وَلَا شِنَاقَ، وَلَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْأَقْيَالَ مُلُوكٌ بِالْيَمَنِ دُونَ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ، وَالْعَبَاهِلَةِ الَّذِينَ قَدْ أُقِرُّوا على ملكهم لا يزالون عنه، والبيعة أربعون من الغنم، واليتيمة الزَّائِدَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ حَتَّى تَبْلُغَ الْفَرِيضَةُ الْأُخْرَى، وَالسُّيُوبُ الرِّكَازُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَا أَرَاهُ أُخِذَ إِلَّا مِنَ السَّيْبِ وَهُوَ الْعَطِيَّةُ وَالْخِلَاطُ الشركة في المواشي، والوراط الخديعة والغش، والشنق مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ، وَالشَّغَارُ عَقْدُ النِّكَاحِ الْخَالِي مِنَ الصَّدَاقِ، فَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ لَا خِلَاطَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذَكَرُوا، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ نَفْسِ الْخُلْطَةِ، وَلَيْسَ لِلزَّكَاةِ ذِكْرٌ، وَالْخُلْطَةُ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقٍ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهَا خُلْطَةُ الْجَاهِلِيَّةِ الْوَاقِعَةُ عَلَى صِفَاتٍ حَظَرَهَا الشَّرْعُ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فَالْمَعْنَى فِيهِ عَدَمُ النِّصَابِ، وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْحَوْلِ والنصاب، فالمعنى فيه سَوَاءٌ، لِأَنَّنَا نَعْتَبِرُ النِّصَابَ مِنْ حِينِ الْخُلْطَةِ لَا فِيمَا قَبْلُ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى السَّرِقَةِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ تُضَمَّ بَعْضُ سَرِقَاتِهِ إِلَى بَعْضٍ لَمْ تُضَمَّ سَرِقَةُ غَيْرِهِ إِلَى سَرِقَتِهِ، وَلَمَّا ضُمَّ بَعْضُ مَالِهِ إِلَى بَعْضٍ ضُمَّ مَالُ غَيْرِهِ إِلَيْهِ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا مَالِكٌ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنْ قَالَ إِذَا كَانَا خَلِيطَيْنِ فِي أَرْبَعِينَ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ فَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالزَّكَاةِ كَالْمُكَاتَبِ وَالذِّمِّيِّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ الْخُلْطَةُ مُوجِبَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>