للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَحْضُرَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ وَقَبْلَ إِحَازَةِ الْغَنِيمَةِ فَفِي اسْتِحْقَاقِهِ لِلسَّهْمِ قَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ مَتَى يَمْلِكُ الْغَانِمُونَ الْغَنِيمَةَ.

فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَهُمْ بِانْقِضَاءِ الْحَرْبِ أَنْ يَتَمَلَّكُوهَا، فَعَلَى هَذَا يُسْهَمُ مِنْهَا لِأَسِيرٍ لِأَنَّهُ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي سَهْمِ التَّمَلُّكِ لَهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ يَتَمَلَّكُونَهَا بِشَرْطَيْنِ: الْقِتَالُ عَلَيْهَا وَالْإِحَازَةُ لَهَا.

فَعَلَى هَذَا لَا سَهْمَ لِأَسِيرٍ بِحُضُورِهِ بَعْدَ أَنْ مَلَكَ الْجَيْشُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا.

فَإِذَا قِيلَ يُسْهَمُ لَهُ، فَبِحَسَبِ حَالِهِ فَارِسًا كَانَ أَوْ رَاجِلًا وَإِذَا قِيلَ: لَا يُسْهَمُ لَهُ، فَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ فَلَا رَضْخَ لَهُ فِيهَا، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ قِسْمَتِهَا رُضِخَ لَهُ مِنْهَا، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ أَنْ لَا يُرْضَخَ لَهُ لِفَوَاتِ زَمَانِ التَّمَلُّكِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ دَخَلَ تُجَّارٌ فَقَاتَلُوا لَمْ أَرَ بَأْسًا أن يسهم لهم وقيل لَا يُسْهَمُ لَهُمْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا اتَّبَعَ الْجَيْشَ تُجَّارٌ وَصُنَّاعٌ قَصَدُوا كَسْبَ مَنَافِعِهِمْ وَصَنَائِعِهِمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ فَإِنْ تَأَخَّرُوا عَنِ الْوَقْعَةِ لَمْ يُسْهَمْ لَهُمْ وَإِنْ حَضَرُوهَا نُظِرَ فَإِنْ قَاتَلُوا أُسْهِمَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْقِتَالِ قَدْ عَدَلُوا عَنْ قَصْدِ الْكَسْبِ إِلَى نِيَّةِ الْجِهَادِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا سَهْمَ لَهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ".

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُسْهَمُ لَهُمْ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَمْنَعِ التِّجَارَةُ وَالصِّنَاعَةُ مِنَ الْحَجِّ لَمْ تَمْنَعْ مِنَ الْجِهَادِ، فَإِذَا أُسْهِمَ لَهُمُ اعْتُبِرَتْ أَحْوَالُهُمْ فُرْسَانًا وَرَجَّالَةً.

وَإِذَا قِيلَ: لَا يُسْهَمُ، أُعْطَوْا رَضْخًا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ لِإِدْرَاكِهِمْ زَمَانَ الِاسْتِحْقَاقِ.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولو جاءهم مرد قبل أن تنقضي الْحَرْبُ فَحَضَرُوا مِنْهَا شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ شَرَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ فَإِنِ انْقَضَتِ الْحَرْبُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْغَنِيمَةِ مَانِعٌ لَمْ يَشْرُكُوهُمْ ".

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا أَلْحَقَ بِالْجَيْشِ فِي دَارِ الحرب مرد لم يخل حال المرد مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُدْرِكُوا الْوَقْعَةَ قَبْلَ تَقَضِّي الْحَرْبُ فَيَكُونُوا شُرَكَاءَ لِلْجَيْشِ فِي الْغَنِيمَةِ سَوَاءً قَاتَلُوا مَعَهُمْ أَمْ لَا وَسَوَاءً احْتَاجَ الْجَيْشُ إِلَيْهِمْ أَمْ لَا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ وَلِأَنَّ لِوُرُودِهِمْ تَأْثِيرًا فِي الْقُوَّةِ وَرُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِلظَّفَرِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يُدْرِكُوهُمْ بَعْدَ تَقَضِّي الْحَرْبُ، وَانْجِلَاءِ الْوَقْعَةِ، وَقَبْلَ إِحَازَةِ الْغَنِيمَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>