للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّهُ وَارِدٌ فِي الْمَسْبِيِّ مِنْ دَارِ الشِّرْكِ إِذَا أَقَرَّ بِنَسَبٍ لِيَرْتَفِعَ إِرْثُ الْوَلَاءِ بِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِنَفْيِ النَّسَبِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِالِابْنِ لَوْ أَقَرَّ لَحِقَ وَلَوْ أَرَادَ نَفْيَ أَبٍ لَمْ يَجُزْ فَكَذَا الْأَخُ لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ جَازَ وَلَوْ نَفَاهُ لَمْ يَجُزْ. وَأَجَابَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ عَنْ ذَلِكَ فِي إِفْصَاحِهِ أَنْ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ وَدُخُولِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي جُمْلَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ وَدُخُولِ الْمَنْفِيِّ فِي جُمْلَتِهِمْ فَيَقُولُ إِذَا نَفَوْهُ عَنْ أَبِيهِمْ: لَسْتُ بِابْنِ أَبِيكُمْ، تَصْدِيقًا لَهُمْ فَيَنْتَفِي. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا أَجَابَ بِهِ أبو علي هل يصح في الحكم أم لَا؟ فَكَانَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ يَمْنَعُ مِنْ صحته فيقول: إن من لحق نسب مَنْ لَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ بِاجْتِمَاعِهِ مَعَ الْوَرَثَةِ عَلَى نَفْيِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ فِي الْحُكْمِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ بِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ انْتَفَى بِاتِّفَاقِ الْفَرِيقَيْنِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْوَلَاءِ فَهُوَ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِنَسَبٍ مُتَقَدِّمٍ وَلَوِ اسْتَحْدَثُوهُ لَمْ يَجُزْ وَبَطَلَ إِلْحَاقُهُمْ بِوَلَاءٍ مُسْتَحْدَثٍ وَلَوْ أَقَرُّوا بِوَلَاءٍ مُتَقَدِّمٍ جَازَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا صَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ فَالْأَنْسَابُ ضَرْبَانِ:

ضَرْبٌ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَهُ وَسِيطٌ فِي لُحُوقِهِ وَضَرْبٌ يَدْخُلُ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَسِيطٌ فِي لُحُوقِهِ.

فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا لا يدخل بين متداعييه وسبط فِي لُحُوقِهِ فَشَيْئَانِ:

أَحَدُهُمَا: الِابْنُ فِي ادِّعَاءِ الْبُنُوَّةِ.

وَالثَّانِي: الْأَبُ فِي ادِّعَاءِ الْأُبُوَّةِ.

لِأَنَّ لُحُوقَ أَنْسَابِهِمَا مُبَاشَرَةً لَا يَتَفَرَّعُ عَنْ أَصْلٍ يَجْمَعُ بَيْنَ النَّسَبَيْنِ وَلَا يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا وَسِيطٌ فِي لُحُوقِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَالْأَوْلَى فِي ادِّعَاءِ مِثْلِ هَذَا النَّسَبِ إِنْ كَانَ الِابْنُ هُوَ الْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ لِمَنِ ادَّعَاهُ أَبًا: أَنَا ابْنُكَ، وَيَقُولُ الْأَبُ لِمَنِ ادَّعَاهُ ابْنًا: أَنْتَ ابْنِي، لِأَنَّ النَّسَبَ يَرْجِعُ إِلَى الْأَبِ فَأُضِيفَتِ الدَّعْوَى فِيهِ إِلَيْهِ فَلَوْ قَالَ الِابْنُ: أَنْتَ أَبِي، وَقَالَ الْأَبُ أَنَا أَبُوكَ، صَحَّتِ الدَّعْوَى حُكْمًا وَإِنْ فَسَدَتِ اخْتِيَارًا لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ دَلِيلٌ عَلَى الْآخَرِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي هُوَ الْأَبُ أَوْ الِابْنُ.

فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الِابْنُ فَلَا تُسْمَحُ دَعْوَاهُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الدَّعْوَى بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ مَضَيَا.

أَحَدُهُمَا: جَهَالَةُ النَّسَبِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>